أضحت تكاليف الزواج المرتفعة في مختلف البلدان، ومنها المملكة، تشكل عبئاً كبيراً على الشباب المقبلين على الزواج لا سيما أصحاب الدخل المحدود. وباتت متطلبات الزواج حملاً ثقيلاً يجعل الكثير من المقبلين على الزواج يعزفون عن فكرة الارتباط، لعدم مقدرتهم على تلبية المتطلبات، ولأن أعباء الزواج أكثر إرهاقاً مما كانوا يعتقدون. وتعد مشكلة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج من أخطر المشاكل التي يعاني منها الشباب على وجه الخصوص، وتؤدي إلى إحجام أو تأخر سنّ الزواج للجنسين على حد سواء. وكشفت إحصائية صدرت العام الماضي، عن تكاليف الزواج في المملكة، طبقاً للمناطق، أن منطقة حائل أقل المناطق في تكاليف الزواج، وبحسب عينة من المأذونين الشرعيين، تصدرت مدينة الأحساء بالمنطقة الشرقية، أعلى المناطق في تكاليف الزواج وبلغت 100 ألف ريال، تلتها سكاكا (90 ألف ريال)، وأقل المحافظات في التكاليف هي خميس مشيط (40 ألف ريال) تليها محافظة القنفذة (45 ألف ريال).
ترف ومظاهر
يرى عدد من الشباب، أن السبب الرئيسي عدم اتباع السنة في ما يتعلق بموضوع الزواج والمهور. وقالوا لـ«عكاظ»، إنهم يعيشون في مفارقة بسبب نعتهم بالعزوبية من ناحية، والمغالاة في المهور من ناحية أخرى.
تقول هند الشمري: أخلاق العريس هي أهم ما يجب التركيز عليه، والحل بالابتعاد عن التّرف والتّبذير في تجهيزات الزّفاف من سيارات وصالات أفراح، وغيرها من الأمور التي ترفع تكاليف الزواج، مع الاهتمام بأخلاق العريس، والابتعاد عن التفكير بالأمور الماديّة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بذلك.
وعلى النسق ذاته، يحمّل سعد العتيبي وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في ارتفاع تكاليف الزواج لكثرة مظاهر الترف التي تنتشر على المنصات، ما يجعل الفتيات ينقدن بشكل لا شعوري وراء المظاهر والسعي لتقليدها قدر الإمكان «تكاليف الزواج ليست مهراً فحسب، بل أصبحت تكاليف شرائية، وقد تصبح تكاليف باهظة مع تقدم الزمن وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي».
ويتفق عبيد الشمري مع الآراء السابقة، مؤكداً أن السبب في العزوف يعود الى التمسك بالعادات والتقاليد القديمة التي يسايرها الناس في ما يخص طقوس الزواج حتى لو كانت على حساب أنفسهم «الزواج صار معضلة، ولم يعد الشباب قادرين لذلك إلا بعد سن الـ30، وهناك مشاكل كثيرة تترتب عليها مصائب وكوارث اجتماعية»
ويقول محمد المسمار، إن ظاهرة ارتفاع سن الزواج في تزايد، وارتفع المتوسط إلى 30 عاماً، وفي الفتيات أصبح متوسط سن الزواج 27 عاماً، وأرى أن ارتفاع التكاليف وغلاء المهور من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى الجنسين. وفي اعتقاده أن التخفيف من تكاليف الزواج أمر مفيد للطرفين، إذ لا يدخل الزوج على حياة زوجية ممتلئة بالديون والمتطلبات، نتيجة تكاليف العرس التي كثيراً ما تكون سبباً في نشوء المشكلات الزوجية، وأكثر الأسباب في تأخير الزواج يعود لمتطلبات الأهل الزائدة والعادات والتقاليد التي تفرض ارتفاع المهور.
الحل في يد الآباء
يرى المتخصص في علم الاجتماع والأسرة عبدالله البقعاوي، أن تكاليف الزواج المبالغ بها تجعل الزوج يعاني من ضغوط مادية ترافقها ضغوط اجتماعية ونفسية، ويساهم ذلك في تراكم الديون وعدم مقدرة الزوج على الإنفاق على المنزل، ما قد يؤدّي إلى نشوب مشاكل بين الزوجين. وللأسف في وقتنا الحاضر ارتفعت المهور بشكل مبالغ فيه، وفي زمن مضى كان أجدادنا يزوجون بناتهم بمهور رمزية، ويقولون نشتري رجلاً، ولكن اليوم الجميع يشكو من الغلاء وتكاليف الزواج فأصبح الشباب يتزوجون من الخارج، وعندما نسألهم عن الأسباب يجيبون أنهم لا يستطيعون الزواج لارتفاع التكاليف، وأن المهور مرتفعة، والبنات يطالبن بمهور خيالية، واليوم لا يوجد شاب غير مديون.
ويقترح البقعاوي، عدداً من الحلول المساعدة على التقليل من هذه الظواهر، إذ يجب على الآباء تيسير شروط الزواج وتقليل الطلبات، هذا هو الحل من أجل استقرار وسعادة بناتهن، فهناك كثير من الشباب يؤجلون فكرة الزواج لارتفاع المهور، ويجب على الآباء تحمّل مسؤولية زواج بناتهم، والتقليل في الطلبات، وليس الجري وراء المظاهر والديون والقروض.
المباهاة بصور الزفاف
يطالب مشعل عمر الهديرس، مجلس الشورى، بوضع حلول ومقترحات عملية للحدّ من تكاليف الأعراس عبر حوار مجتمعي يشارك فيه الشباب والمختصون والجهات المعنية. وقال: ثقافة المقارنات بين الأعراس مترسخة في المجتمع خصوصاً بين الجيل الجديد مع انتشار «السوشال ميديا» ونشر صور الحفلات والزفاف، ما خلق حالة من المقارنات بين الفتيات تحديداً، وتحول حفلة الزفاف إلى فرصة للتباهي، وأصبحت النظرة المجتمعية ليست إلى جوهر الزفاف وإنما المباهاة أمام الناس.
وتابع الهديرس، أن التيسير في الزواج والمعيشة يفيد في الاستفادة من الأموال التي تدفع في ما لا فائدة منه، لتأمين مستقبل الأسرة المعيشي كشراء أصول تفيد الأسرة وذريتها، وتنتقل من حال متواضع إلى حال أفضل، وربما يمكن إقامة مشروع يدر دخلاً منتظماً يستعينون به على أعباء الحياة بدلاً من الإنفاق على أمور ترفيه تصبح عبئاً عليهم بمجرد شرائها، ويتمنون التخلص منها، ويعمل أيضاً على تجنب الديون المرهقة المذلة التي تجلب الهم والحزن في الأسرة، وتؤدي إلى مشكلات بين الزوجين، وفي كثير من الأحيان ربما ينفصل الزوجان قبل تسديد القروض وأثاث البيت.
هدايا للمعازيم
المتخصص في الخدمة الاجتماعية مشعل الأسمر، يدعو إلى أهمية مناقشة ملف ارتفاع تكاليف الأعراس التي تشكل جزءاً كبيراً من تكاليف الزواج، والسبب الرئيسي لارتفاع التكاليف البذخ في الإنفاق على حفلات الزواج، الذي يثقل كاهل المقبلين على الزواج. ونوّه إلى أن كثيراً من الشباب يعتقدون أنهم مجبرون على النفقات لمواكبة عرف حفلات الزفاف، ما يزيد نسبة الشباب غير القادرين على الزواج فضلاً عن ارتفاع نسبة العنوسة.
وأضاف، أن الإنفاق المبالغ فيه في الحفلات، بات مرتبطاً بالهدايا التي يتم تقديمها للمعازيم والإسراف في ولائم تفوق أعداد المدعوين وجميعها أموال تهدر دون فائدة، والبذخ في التكاليف يخالف الطبيعة والقيم الإنسانية والمنطق والموضوعية والدين، ولا يمكن علاج الظاهرة إلا بتغيير ثقافة المجتمع، بالرجوع لحكمة وهدف تشريع الزواج.
بنتي الغالية سعرها غالٍ !
ويتطرق الدكتور العثيمين، إلى سيطرة بعض الأفكار الخاطئة التي أدت إلى زيادة تكاليف الزواج، مثل «بنتي ليست كباقي البنات وليست أقل من غيرها»، كما أن زيادة تكاليفها تؤدي لتمسكه بها وعدم تفريطه بها أو تقليل قدرها، والنظرة المادية للزواج على أنه بيع وشراء وربح مادي على حساب قيم ومبادئ الزواج ومكتسباته المعنوية. ويؤكد أن الآثار المترتبة هي الاتجاه للزواج من الأجنبيات على حساب السعوديات مع انتفاء الاستقرار الاجتماعي لدى فئة المقبلين على الزواج الذين تعثر إتمام زواجهم بسبب التكاليف، ما أدى الى ارتفاع نسبة العزوبية والعنوسة التي وصلت حسب دراسة ميدانية في 2022، إلى 4 ملايين فتاة، مقارنة بـ1.5 مليون فتاة في العام الذي سبقه، ما يؤدي إلى حدوث الاضطرابات النفسية للشباب والفتيات، مثل الكبت والاكتئاب والقلق وأزمة منتصف العمر. وقد تكون تكاليف الزواج المرهقة سبباً في الضغوط النفسية وتوتر العلاقة بين الزوجين مستقبلاً، ومعطلاً لعنصر الترفيه بسبب الالتزامات والديون المالية على الزوج والمستمرة لسنوات عديدة. وقد يرتكز المعيار في اختيار الزوج على القدرة المالية بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى كقدرته واستعداده وتحمله المسؤولية؛ وكونه زوجاً مناسباً في المستقبل نفسياً واجتماعياً والوقوع في السلوك المنحرف وإشباع الحاجة العاطفية بالفعل المحرم والمحظور.
الزفاف في الـ 40
عزا المختص في الإرشاد النفسي والتغيّر الاجتماعي الدكتور خالد العثيمين، ارتفاع تكاليف الزواج إلى التغيرات والعادات والثقافات التي أسهمت في ظهور مشكلة وظاهرة متعلقة بالمبالغة، ما أدى إلى بروز وتولّد مشاكل منها: تعقيد الزواج وزيادة تكاليف الاستعداد له بالمادة والجهد والوقت ولمدة طويلة قد تصل إلى سنوات.
ويؤكد العثيمين لـ«عكاظ» أن إحدى الدراسات رصدت أن الشاب قد يصل إلى سن الـ40 ليتمكن من جمع تكاليف الزواج، نظراً لتكاليفه ومتطلباته الاقتصادية العالية وإصرار بعض الأسر على المغالاة في تكاليف الزواج والمبالغة بل والتنافس في ذلك. وتأخير سن الزواج إلى مرحلة متأخرة خصوصاً لدى الفتيات يؤثر على فرص الإنجاب لديها، أو تكوين الأسرة بحجم وعدد أقل من المتوقع بسبب التأخر، مع ظهور مشاكل اجتماعية ونفسية على المقبلين على الزواج ممن تعرضوا لظرف التأخير.
ويضيف العثيمين أن الأسباب تعود أيضاً إلى وقوع بعض الأسر في زخم وسائل التواصل الاجتماعي وزيفها، ما أوجد لدى المجتمع حالة من عدم الرضا، وعدم القناعة، والغرق في التقليد، بل إن البعض تكون لديهم ارتباط بأن مثل هذه المظاهر المبالغة والزائفة أكبر دليل على نجاح الزواج والتفاخر والتنافس بين بعض الأسر في المجتمع كمظهر ووجاهة اجتماعية تعكس رفعة وقيمة ابنتهم وغلاها لديهم، وارتباط خروجها من بيت والدها معززة مكرمة بقيمة مهرها الغالي.
تحديد السقف .. هل يفيد ؟
يقترح الدكتور العثيمين، تحركاً ميدانياً لدعم وتبني الجهات الرسمية لفكرة تحديد سقف أعلى للمهور واعتمادها لدى الجهات ذات العلاقة؛ مثل وزارة العدل ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتركيز مؤسسات القطاع الثالث المعنية على تثقيف الأسرة من خلال برامجها ومبادراتها ورفع مستوى الوعي بقضية تكاليف زواج أبنائها وبناتها، وتوظيف جهود المؤثرين من الأئمة والعلماء والمختصين والتربويين والمؤثرين في توعية المجتمع باستمرار بما يتعلق بتكاليف الزواج، واقتراح وضع قوانين تضبط تدخلات مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في تشويه قيم ومبادئ المجتمع، خصوصاً التي تتعلق بالإقبال على الزواج والأسرة وتأسيس منصات إلكترونية حكومية رسمية للتوفيق بين الأزواج بتكاليف زواج محددة، وتبني وتطبيق بعض التجارب التي تم تطبيقها في بعض المناطق مثل منطقة مكة المكرمة.