فيما ثمّن الشاعر محمد إبراهيم يعقوب مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة المتنوعة في الأنشطة والفعاليات، ويغطي طيفاً كبيراً من المشهد الثقافي في المملكة والوطن العربي. ويرى يعقوب أن فعالية معتزلات الكتابة من أهم الفعاليات التي تتغيّا الهيئة من خلالها إتاحة الفرصة للإبداع بكافة الوسائل زمانياً ومكانياً لكي يحلق بعيدا، إضافة إلى جانب تفاعل المبدعين مع بعضهم البعض خلال زمن ما وما ينتج عن ذلك من حوارات وآراء تصب كلها في تشكيل فضاءات للهجس والتفكير والتواصل الثري الذي يضيف للمبدع والمشهد ككل. وعبّر عن الشكر لوزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة على هذا الحراك الثقافي الذي نفخر ونتمنى أن يستمر ويتعالى.
وعدّت الشاعرة البحرينية نوف نبيل الباحة مكاناً ملهماً يستثير الشاعر، بالعودة للطبيعة وللكون الذي هو جزء منه، ليستعيد ديناميكية منطقية سرقتها المدينة الحديثة، وترى أن فكرة المعتزل أو الانعزال للتفرغ للإنتاج الإنساني بشكل عام والأدبي خصوصاً فكرة تراود الكثيرين بلا شك، لاسيما أن الواقع الذي تفرضه عليهم الحياة في الخارج مكتظ وسريع بشكل يحول أحياناً دون التوقف لالتقاط الفكرة أو الإصغاء لها بشكل واضح. وأوضحت أن تطبيقها ومعايشتها بشكل حقيقي وحي أشبه بالحلم الذي تحقق، كون المعتزل منحها مساحات شاسعة من مواجهة الذات والوضوح اللازمين لخلق القصيدة. وأضافت: لم أخرج بوقت ممتد للكتابة والعزلة فحسب بل باقتراب شديد من تجارب أخرى مميزة ومحفزة، ونقاشات ثرية تصب في الشعر حتماً، لافتةً إلى أن كل الأوجه والاحتمالات الأخرى وكل الأسئلة المفتوحة ستترك أثرها على ما هو آت من تجربتها.
ويؤكد الشاعر عبد الله بيلا أن فكرة معتزلات الكتابة من المبادرات الفارقة والأفكار الطريفة من وزارة الثقافة ممثلةً بهيئة الأدب والنشر والترجمة، وتستحق أن يُنظر إليها بعين التفاؤل والإعجاب، نظراً إلى ما تحمله من فكرة متطورة تعمل على استقطاب الأسماء المبدعة وتهيئة البيئة المكانية والزمانية المناسبة لتجديد العمل الإبداعي، خصوصاً في ما يتعلق بالشعر. وعدّ اختيار الباحة مكاناً لمعتزل الكتابة موفقاً جداً، كون المنتجع المخصص يتميز بالهدوء في ربوة تعانق سماء السراة، ومسورة بخضرة الأشجار وأغاريد العصافير، ليكون هذا المعتزل بحق مثابة للروح المتشوقة إلى فسحة التجدد والإبداع. وأضاف بيلا: «يمكننا الخروج من هذه التجربة الجميلة بالكثير، إذ أغراني المعتزل بالكتابة عن سبق محبة وترصّد، ووشى ببعض البدايات التي يمكن أن تصبح قصائد محلقة قريباً، أو مشاريع لأعمال شعرية». ويرى أن أبرز ثمار الملتقى التعرف على نخبة مميزة من الأسماء المبدعة، والاقتراب من تجاربها، وتداول الأفكار القادرة على تنمية الوعي بقيمة الشعر وأهمية الانتصار للجمال.
وترى الشاعرة مليكة عبد الحميد أن فكرة المعتزلات عُرفت في العالم الغربي، ولطالما تطلّعت أن تُنقل التجربة إلى الوطن العربي. وقالت: نحن محظوظون إذ تبنتها هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة، ما يدل على أن المملكة حاضنة لكل مبدع وباحث عن الإبداع. ولفتت إلى تجربة الشاعر قاسم حداد في معتزله للكتابة عن فان كوخ في «أيها الفحم يا سيدي» وكم كانت جدًا مثرية، وتؤكد أن الكُتّاب والشعراء بحاجة لتجربة كهذه ينفصلون فيها عن مدن الأسمنت ويقتربون من الطبيعة ويشاركون الآخرين ذات الهموم والأسئلة وتجارب مختلفة، لتستمر الكتابة في حوارات وأمسيات وعزلات، مشيرةً إلى أن المعتزل أهدى المكان الموحي بالجمال والمغذي للإلهام، كونه لا مكان أحنّ من الطبيعة للعزلة، وعدّت الباحة طبيعة تحوّل الإنسان إلى قصيدة، وقالت: «لا أعتقد بأن المعتزل سيخرج مشروعًا واحدًا، كون كل مشارك له هدفه الذي يصبو إليه، وزملائي وزميلاتي في المعتزل وجدوا طريقهم». وأوضحت أن مشروعها في المعتزل البحث لفكّ الانسداد الذي لازمها لفترة طويلة، فعادت للنصوص التي لم تكملها وحسّنتها وقريبًا ستنهيها، فيما راودتها أفكار متجددة لكتابة نصوص أخرى تستطيع ربطها بالنصوص السابقة لتكون عبارة عن دورة حياة، والبذرة لإصدار رابع.
وذهب الشاعر عبد الرحمن العريج إلى أن المشاركة لها أثرها الكبير على تجربته.. كونه انفصل عن حياته العملية ومشاغله اليومية، وتفرّغ في مكان وأجواء جميلة للكتابة والتأمل والالتقاء بمن يشاركه هموم الشعر والكتابة.. وقال: «هذا ما كنت أتطلع له دومًا، أشكر هيئة الأدب والنشر والترجمة على إتاحة هذه الفرصة».
المُعتزل تجديد لروح الكتابة ودعم للمواهب
أوضح رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان لـ«عكاظ» أن معتزلات الكتابة هي مشروع عالمي يُمنح من خلالها المؤلف فرصة الاعتزال عن روتينه السابق وملهياته اليومية لتصفية الذهن والتركيز على إنتاج إبداعي جديد، أو لاستكمال عمل أدبي، واستلهام أفكار جديدة للعمل عليها لاحقاً، مشيراً إلى أن المشروع يهدف إلى تجديد روح الكتابة لدى المؤلفين وتطوير أدواتهم عبر الاحتكاك والاستفادة من خبرات المشاركين، التي يتيحها مرشد المعتزل، ما يسهم في رفع إنتاجية الأديب السعودي وتطوير المواهب الشابة ودعم المستهدف كونه «ثروة أدبية متجددة»، لافتاً إلى أن عدد المشاركين في المعتزل الواحد يتراوح بين 7 إلى 10 أشخاص، بهدف تحقيق الغاية منه دون الإخلال بفكرة المعتزل، مؤكداً أن المُعتزل سينفذ في جميع مناطق المملكة بشكل دوري حسب خطة المشروع، مع مراعاة عامل الطقس في كل منطقة. وعن إشراك أسماء عربية وخليجية، قال: أبرز ما يميز فكرة المعتزلات، عطفاً على الاعتزال، هو الاحتكاك بكتّاب آخرين محليين ودوليين والاستفادة من الخبرات والتجارب الكتابية المختلفة، كون المعتزلات تتيح للمشاركين من خارج المملكة التعرف على المناطق السعودية واكتشاف ثقافتها والاستلهام من طبيعتها وتراثها ما ينعكس على مؤلفات المشاركين مستقبلاً. وأكد أن المطلوب من المشاركين العمل على إتمام أعمالهم الأدبية بوتيرة أسرع، وإشعال روح الكتابة من جديد عبر الاعتزال.