الرواية تأتي نقلاً عن عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصري الأسبق – بين عامي 1984 و1991- الذي يروي تفاصيل لقائه مع الملك فهد بن عبدالعزيز مبعوثاً من الرئيس المصري محمد حسني مبارك، إثر الإعلان عن انضمام مصر لمجلس التعاون العربي، يقول عصمت عبدالمجيد: «ذهبت للملك فهد بعد إلحاح شديد من مبارك الذي أراد أن يوضح للملك ظروف انضمامه إلى مجلس التعاون العربي الذي يقوده صدام، وما أسفر لاحقاً عن مشاركته في قمة بغداد في 16 فبراير سنة 1989».
المجلس أو «المحور» الذي أنشئ فُهم سعودياً على أنه موجّه ضد سياساتها وأمنها وضد مجلس التعاون الخليجي، وكان عتب الفهد كبيراً على حليف مثل مبارك ودولة مثل مصر، أما البقية فقد كانت مواقفهم معروفة ومكشوفاً ما يبطنونه للسعودية.
يواصل عبدالمجيد روايته مندهشاً من ردة فعل الملك فهد الذي استقبله كما يليق، وما إن جلس عبدالمجيد، حتى بدأ الملك يتحدث طوال فترة اللقاء دون أن يتيح لعصمت عبدالمجيد شرح موقف رئيسه، يؤكد عصمت عبدالمجيد أن الفهد تحدث في كل شيء ما عدا المجلس والقمة، إلى أن دخل مدير المراسم لينهي اللقاء، دون أن يتحدث الوزير سوى بكلمات الوداع.
كانت تلك التفاصيل هي رسالة الملك فهد لأخيه الرئيس مبارك، إنه عتب الملوك الذي لا تتحمله الرسائل ولا تبلغ معانيه الكلمات ولا المبعوثون، إنه عتب الكبار، يرسلون من خلاله الرسائل دون أن يتحدثوا بها، وكأنه يقول «فهمك كفاية».
بعد الغزو العراقي لجارته الكويت، فهم الكثير لماذا بادر صدام لإنشاء المجلس، ولماذا رفض الفهد فكرة المحور الذي بني على نوايا سيئة، لقد كان صدام حسين يحضّر الأجواء والتحالفات قبل غزوه المشؤوم، حتى أن الرئيس المصري حسني مبارك وصف المجلس، ولكن عقب الغزو، بـ«مجلس التآمر العربي»، بدلاً من مجلس التعاون العربي.
بالطبع «محور» مجلس التعاون العربي لم ينشأ لحاجة سياسية وأمنية كما مجلس التعاون الخليجي، الذي بني بهدف مواجهة طهران وتنسيق مواقف دول المجلس السياسية التي تعيش على الضفة المقابلة لإيران، وخاصة مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية المشتعلة معاركها على أطراف بلدانهم ومسهم شيء من ضررها، فضلاً عن محاولات طهران تصدير ثورتها الفارسية إلى البحرين والسعودية والكويت، كما أن الخليجيين لم يوجهوا مجلسهم ليكون محوراً مضاداً لأي دولة عربية ولا بديلاً للجامعة، بل كان مجلساً تنسيقياً لدول متشابهة لهدف محدد وواضح.
مجلس التعاون العربي سقط، وسقط قبله محاور وأحلاف عديدة، فقد ذاب حلف دول الطوق، وحلف عبدالناصر وحلف البعث، التي شكّلت جبهة مضادة للسعودية والدول الملكية في محاولة لتطويقها وتطويعها، ولهذا لم يغب عن السعوديين الهدف الحقيقي الذي أنشأ من أجله صدام ذاك المجلس، إذ بعد عام واحد فقط قام صدام بغزو الكويت واحتلالها ثم مهاجمة السعودية بالصواريخ الباليستية.