فبدلاً من أن تنظر تلك «الشلّة» المأزومة إلى الكوب لمعرفة نصفه المملوء، يسعون كعادتهم إلى قلبه رأساً على عقب، ثم يبدأون تحديد مواقفهم المعروفة سلفاً. كأنما ينكرون على السعودية وزنها الإقليمي ومكانتها الإسلامية وتأثيرها الدولي، وتعدد الملفات الحيوية التي تمسك بتلابيبها على صعد اقتصادية وسياسية وأمنية وإقليمية عدة.
السعودية لا تهزها تلك «العنتريات الفارغة» ولا تؤثر في سياساتها عيّنات من الحاقدين الكارهين الأغبياء، مهما اختلقوا من «أكاذيب ومغالطات».
القافلة السعودية تمضي، غير آبهةٍ بذلك النباح. ولعل شهر يوليو 2023 خير مصداق للأدوار الكبيرة بل الكبيرة جداً، التي تضطلع بها الرياض بقوة واقتدار، عبر دراسات متأنية، وتقديرات حصيفة للأوضاع الإقليمية والعالمية.
فقد شهد هذا الشهر قمتين خلال 24 ساعة، استضافتهما الحكومة السعودية برعاية خادم الحرمين الشريفين وبرئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهما: قمة السعودية، ودول آسيا الوسطى. وهي منطقة في العالم ذات أهمية كبيرة، فضلاً عن ارتباطها العميق بالعالم الإسلامي. والقمة الأخرى، هي التشاورية الدورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي. وفيما استضافت المملكة أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تأكيداً للمسؤوليات التي تتولاها في شأن التغير المناخي، ومكافحة الاحترار، وتشجيع الطاقة النظيفة. كما أن الشهر الجاري (يوليو 2023)، شهد عودة السعودية وحليفتها الولايات المتحدة لاستئناف مبادرتهما لوقف حرب السودان. وهو نزاع يدخل ضمن ما شدد عليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بقوله، «إنه لن يكون هناك أي تساهل مع أية محاولة لزعزعة الاستقرار في المنطقة».
والأمل كبير في نجاح المبادرة في إقناع الفريقين المتناحرين في السودان بإعلان وقف دائم لإطلاق النار، وفتح الممرات الإنسانية لتوصيل الإغاثة والأدوية للمحتاجين إليها.
وتشمل الأدوار السعودية النشطة، استمرار السعودية في العمل مع شركائها في منظمة أوبك ومجموعة «أوبك بلس»، على استقرار أسعار النفط العالمية.
ولا بد من الإشارة إلى أن السعودية عادة ما تقوم بالتضحية بإنتاجها النفطي للحفاظ على الحصص الإنتاجية المتفق على تخفيضها لمعالجة مشكلات الأسواق النفطية في العالم كله.
ويذكر أيضاً ما تمخض عن القمة السعودية – اليابانية، التي شهدتها زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى جدة، وأبرز مخرجاتها التعاون بين البلدين للتنقيب عن ثروات أعماق البحار.
وشاركت المملكة أخيراً، ممثلة بوزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، في المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة، الذي استضافته العاصمة الإيطالية روما، مطالبة بضرورة أن يتحمّل العالم مسؤولياته حيال التبعات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية للهجرة غير الشرعية، ومواجهة جرائم الاستغلال والتهريب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وكلها قضايا ظلت المملكة تكتوي بها منذ عقود. وتحاول المملكة من خلال سياساتها المعتدلة وضع حلول لها.
ومن المؤكد أن التعاون الدولي، من خلال منصة مؤتمر روما، مهم جداً للتنسيق لمكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تعاني منها أوروبا أكثر من غيرها. وكانت السعودية قبل ذلك محل إشادة من عدد كبير من الدول؛ لدورها الكبير في إجلاء الرعايا الأجانب من السودان، بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع.
الأكيد أن الرياض ستواصل تحركاتها القوية للتواصل مع دول العالم لحلحلة قضايا المنطقة، والقضايا التي تثير قلق بقية الشركاء الدوليين، يدفعها إلى ذلك دورها الذي حدده لها التاريخ والجيوبولتيكا، والإرث العريق لسياستها الخارجية، بحكم دورها الريادي في خدمة الأمتين العربية والإسلامية، والتزاماتها الأخلاقية النابعة من كونها أكبر مُصدّر للنفط في العالم. وجاءت تحركات يوليو 2023 بعد اختراقات كبرى حققتها المملكة خلال الأشهر الماضية، خصوصاً استئناف التمثيل الدبلوماسي بين الرياض وطهران، وانعكاسات ذلك الاتفاق على الأوضاع في اليمن ولبنان وسورية؛ وانعقاد القمة العربية في جدة، التي أعادت سورية إلى الحضن العربي بعد قطيعة استمرت منذ سنة 2011.
لا شك أن النظرة إلى «الكوب المقلوب» لن تعيق السعودية عن مهماتها الجسيمة تجاه شعبها ومنطقتها، والإنسانية كافة، ولذلك مهما حاول أن يتنطع الحاسدون والحاقدون والمتآمرون، فالسعودية لا تكترث بهم ولا تقيم لهم وزناً ولا قدراً؛ لأنها كبيرة ولا ترى ما ينشغل به الأقزام، وأولئك المتكسبون من وراء نجاحاتها، وستستمر في القيام بأدوارها المُشَرِّفة التي تضطلع بها في كل مكان وزمان.