ترى المحللة الأميركية فاليري هودسون، أنه من المؤكد أن قائد مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، لن تقوم له قائمة بعد محاولة التمرد التي قام بها في الـ24 من الشهر الماضي. وكان بريغوجين الشخصية البغيضة تماماً، قد أعاد اختراع نفسه عدة مرات منذ فترة سجنه لتسع سنوات بسبب الاحتيال والرشوة، بينما كان في العشرينات من عمره، وفي مرحلة من المراحل أصبح متعهد المواد الغذائية للجيش الروسي والكرملين.
وتضيف هدسون – وهي أستاذة جامعية في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمة العامة في جامعة تكساس – في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، أن رجلاً مثل بريغوجين ما كان سيصبح أبداً قانعاً بتجارة المواد الغذائية.
واستخدم بريغوجين ثروته الطائلة التي جمعها من تجارة المواد الغذائية والقمار للقيام بمغامرتين لهما صلة بالدولة الروسية، كانت الأولى تأسيس وكالة الأبحاث الإلكترونية التي اتهمتها وزارة العدل الأميركية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وكانت الثانية تأسيس مجموعة «فاغنر» (وهي شركة عسكرية خاصة).
وتكتلت مجموعة «فاغنر» تحت قيادة بريغوجين في عام 2014، لتوفر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إمكانية أن ينأى بنفسه بشكل منطقي عن العمليات شبه العسكرية التي جرت أولاً في شبه جزيرة القرم، ثم في سورية وإفريقيا، والآن في الصراع الروسي الأوكراني. وقالت هدسون إن مجموعة «فاغنر» عملت بالفعل كجيش خاص لبوتين.
ولم يؤد هذا إلى مزيد من الثراء لبريغوجين فحسب، حيث ضبطت مداهمة لمقر المجموعة في سانت بطرسبرغ في الأيام القليلة الماضية، أربعة مليارات روبل (نحو 48 مليون دولار)، بل وفّر له جيشاً صغيراً لكنه يتمتع بخبرة قتالية.
ويمثل توفير المال والرجال المسلحون معياراً للسلطة السياسية الحقيقية، حتى في روسيا. ولكن نظراً لأن روسيا دولة استبدادية، فإنه لا يمكن السماح لمثل هذه السلطة بأن تظل قريبة للغاية من روسيا نفسها.
وكانت هناك إشارات على أن نظام بوتين سيلقي باللائمة في جرائم الحرب التي تم ارتكابها في أوكرانيا على بريغوجين، وهي جرائم ارتكبتها بدون أدني شك مجموعة «فاغنر»، ولكن أيضاً القوات الروسية الرسمية، وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد.
وسعت موسكو إلى نشر قوات مجموعة «فاغنر» شبه العسكرية الخاصة على خطوط الجبهة، مع معدل عالٍ من الاستنزاف، ما يضعف تدريجياً المجموعة كقوة قتال خطرة. وفي الوقت نفسه، قاتلت مجموعة «فاغنر» التي اكتسبت خبرة قتالية، الأوكرانيين على نحو أكثر كفاءة من جيش المجندين الروسي الرسمي. وفهم بريغوجين ما كان يحدث. فمنذ أشهر قليلة، بدأ القائد الذي كان محاطاً بالسرية بشكل كبير في نشر فيديوهات عامة، استخدم فيها تلميحات لانتقاد النظام.
وطني حقيقي
ولم يهاجم بريغوجين الرئيس بوتين نفسه، ولكنه هاجم الدائرة الداخلية للرئيس، وبشكل خاص رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري جيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو. واتهم بريغوجين، جيراسيموف وشويغو بالاستيلاء على أموال مخصصة لشراء ذخيرة، وخداع بوتين بشأن الحالة الحقيقية للموقف الروسي في أوكرانيا.
وفي حقيقة الأمر، اتهم بريغوجين جيراسيموف وشويغو بالخيانة خلال وقت الحرب، وصوّر نفسه على أنه وطني حقيقي صريح وصادق في كلامه.
وكان وضع بريغوجين العالي المستوى الجديد بين عامة الروس حيلة ذكية للغاية لكي يجعل تدمير مجموعة «فاغنر» واغتيال بريغوجين نفسه، أمراً أكثر صعوبة على بوتين.
وبدون أدنى شك، كان الاغتيال مثار قلق حقيقي لبريغوجين، في ضوء العدد الكبير من النخبة والبيروقراطيين في روسيا الذين لقوا حتفهم مؤخراً في ظروف مريبة.
ويشعر معظم المعلقين المطلعين على بواطن الأمور، بأن نقطة التحول بالنسبة لبريغوجين لمواصلة الهجوم خلال الأيام القليلة الماضية – حيث استولى على روستوف أون دون، وزحف حتى أصبح على بعد 200 كيلومتر من موسكو – كانت في الحقيقة محاولة من جانب نظام بوتين لضرب قيادة مجموعة «فاغنر» التي تم التخطيط لها، لكي تبدو وكأنها حالة مأساوية لنيران صديقة.
وأضافت هدسون أن بريغوجين ليس غبياً، بل واحد من الشخصيات الأكثر حذراً. وقرر في ما يبدو أن المناورة الوحيدة الباقية أمامه هي زيادة المخاطر على بوتين نفسه.
وبالطبع كان سيصبح من المستحيل بالنسبة لجيش قوامه 25 ألف رجل، على أقصى تقدير، الاستيلاء على موسكو. ولكن بريغوجين استطاع بدء «المسيرة من أجل العدالة، حيث صوّر نفسه على أنه روسي وطني حقيقي وسط وكر من اللصوص البيروقراطيين والسياسيين».
وحتى لو لم يذهب بعيداً، سيكشف بريغوجين للعالم أن بوتين عبارة عن نمر من ورق، ما يشجع آخرين داخل دائرة السلطة في روسيا. وكان أفضل سيناريو هو أن بوتين سيتفاوض معه لتجنّب قتال دموي في قلب روسيا.
وحصل بريغوجين على أفضل سيناريو، حيث طلب بوتين من رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، التفاوض بشأن صفقة سيذهب بريغوجين بموجبها حسبما تردد إلى العيش في المنفى في بيلاروسيا.
ومستقبل مجموعة «فاغنر» غير واضح، وترددت تقارير أنه تم مجدداً طمأنة الحكام الأفارقة المستبدين بأن وحدات مجموعة «فاغنر» عندهم ستبقى لدعم أنظمة حكمهم الهشة.
القيادة من المنفى
وستواجه عناصر المجموعة في أوكرانيا استجواباً تحت مظلة القيادة الرسمية لوزارة الدفاع. وبصفة عامة، تم إضعاف «فاغنر» بشكل خطر، على الرغم من آمال بريغوجين في قيادتها من المنفى.
وسيعيش بريغوجين نفسه ليوم آخر، وقد أضر بشكل خطر بسمعة بوتين كشخصية قوية تم ترسيخها بعناية ليس فقط على المسرح العالمي، ولكن أيضاً في روسيا نفسها، حيث يؤدي الضعف إلى ظهور الذئاب بأعداد كبيرة. وكانت هذه ضربة رائعة من جانب لاعب بيد ضعيفة للغاية.
وأضافت هدسون أنه بسبب ذلك، لن تقوم لبريغوجين قائمة. وقد يواجه مصيره بمادة نوفيتشوك السامة، أو ما هو أسوأ من ذلك. وفي وقت كتابة التقرير، توجه بريغوجين إلى مينسك، ولكن كانت هناك شائعات أنه بمجرد وصوله إلى هناك، سيتم وضعه في طائرة تتوجه به إلى موسكو.
وتقول هدسون إن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام للتفكير فيه، هو ما إذا كان بريغوجين قد أعطى من خلال اختياره الجريء – بالفعل – لبوتين نفس المصير، والوقت فقط هو الذي سيكشف عن ذلك.
• 25000 رجل هو قوام جيش «فاغنر» ولا يمكنه الاستيلاء على موسكو.
• لم يهاجم بريغوجين الرئيس بوتين نفسه، ولكنه هاجم الدائرة الداخلية للرئيس، وبشكل خاص رئيس هيئة الأركان العامة ووزير الدفاع.
• سعت موسكو إلى نشر قوات مجموعة «فاغنر» شبه العسكرية الخاصة على خطوط الجبهة بأوكرانيا، مع معدل عال من الاستنزاف، ما يضعف تدريجياً المجموعة كقوة قتال خطرة.