إعداد ■ الإمارات اليوم / دروس مستفادة يمكن للعالم تطبيقها يبدو من الواضح كما هي كل الأعوام التي تشهد أحداثاً جيوسياسية وأزمات اقتصادية مركبة، فإن عام 2022 لن يرحل قبل أن يترك لنا ذيولاً ومشكلات ممتدة أثرت ولاتزال تؤثر في الكثير من المناطق والدول عبر العالم.
وثمة مجموعة من الدروس لابد من الاستفادة منها حتى يتلافى العالم قدر المستطاع الأسباب التي أدت إلى تفشي الصراعات، واستفحال المشكلات، وسبل حلها سنأتي على ذكر بعضها عبر سطور هذا التقرير.
لن يفتقد الكثيرون عام 2022، وهو عام شهد جائحة مستمرة، وتغيراً متزايداً في المناخ، وتضخماً مفرطاً، ونمواً اقتصادياً شديد البطء، والأهم من كل ذلك اندلاع حرب مكلفة في أوروبا، ومخاوف من احتمال اندلاع موجة من الصراع العنيف في آسيا في القريب العاجل، بحسب رأي الدبلوماسي والكاتب الأميركي، ريتشارد هاس.
ويرى هاس في مقال نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن بعض هذه الأمور كانت متوقعة، ولكن الكثير منها لم يكن متوقعاً، وجميعها توفر لنا دروساً نتجاهلها على حساب سلامتنا جميعاً.
الدرس الأول
الدرس الأول هو أن الحرب بين الدول التي يعتقد عدد ليس بقليل من الأكاديميين، أنه قد عفا عليها الزمن هي ليست كذلك. فما نشهده في أوروبا هي حرب إمبريالية قديمة، يسعى فيها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى القضاء على أوكرانيا ككيان مستقل يتمتع بالسيادة. وهدفه هو التأكد من عدم قدرة أي دولة ديمقراطية تسعى لعلاقات وثيقة مع الغرب على الازدهار على حدود روسيا، وتمثل قدوة قد تصبح جذابة للروس.
وبطبيعة الحال، بدلاً من تحقيق الانتصار السريع والسهل الذي كان يتوقعه، اكتشف بوتين أن جيشه لا يتمتع بالقوة التي تؤهله لذلك، وأن خصومه أكثر إصراراً مما كان يتوقعه هو والكثيرون في الغرب. ومضت 10 شهور والحرب مستمرة ولا تلوح لها نهاية في الأفق.
الدرس الثاني
الدرس الثاني هو أن فكرة القول إن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يمثل حصناً في مواجهة الحرب، لأنه لن يكون لدى أي طرف مصلحة في عرقلة العلاقات التجارية والاستثمارية المفيدة لجميع الأطراف، لم تعد فكرة مقبولة، فالاعتبارات السياسية لها الأولوية. وفي حقيقة الأمر، فإنه من المرجح أن يكون اعتماد الغرب بصورة كبيرة على إمدادات الطاقة الروسية قد أسهم في اتخاذ بوتين قرار الغزو، لاعتقاده بأن أوروبا لن تقف ضده.
الدرس الثالث
أما الدرس الثالث فهو أن التكامل الذي حرك عقوداً من السياسة الغربية تجاه الصين قد فشل أيضاً. واعتمدت هذه الاستراتيجية على الاعتقاد بأن العلاقات الاقتصادية – إلى جانب العلاقات الثقافية والأكاديمية وغيرها – ستؤدي إلى تطورات سياسية، تدفع نحو ظهور صين أكثر انفتاحاً وتوجهاً نحو السوق وأكثر اعتدالاً في سياستها الخارجية.
ويقول هاس إنه لم يحدث أي شيء من ذلك، على الرغم من أنه يمكن بحث ما إذا كان الخطأ يرجع إلى مفهوم التكامل، أم إلى الطريقة التي تم بها تطبيقه؛ وهو أمر يجب بحثه. والواضح هو أن نظام الصين السياسي أصبح أكثر تشدداً، واقتصادها يتحرك في اتجاه أكثر اقتصاراً عليها، وسياستها الخارجية تزداد صرامة.
الدرس الرابع
والدرس الرابع هو أن العقوبات الاقتصادية، التي كانت آلية الغرب وشركائه المفضلة في كثير من الحالات عند الرد على انتهاكات الحكومات لحقوق الإنسان أو قيامها بأي عدوان خارجي، نادراً ما حققت تغييرات مجدية في سلوك تلك الحكومات. وفي الحالة الروسية فشل في إقناع معظم حكومات العالم بعزل موسكو سياسياً أو اقتصادياً، ورغم أن العقوبات التي يقودها الغرب قد تضعف القاعدة الاقتصادية لروسيا، فإنها لم تصل إلى حد إقناع بوتين بالتخلي عن سياسته.
الدرس الخامس
والدرس الخامس هو أن هناك حاجة للتوقف عن استخدام عبارة «المجتمع الدولي»، فليس هناك مجتمع دولي. فحق النقض الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن جعل الأمم المتحدة عاجزة. وعلاوة على ذلك لم يكن هناك قدر كبير من المواجهة العالمية لجائحة «كوفيد-19»، وهناك قدر قليل من الاستعدادات للتعامل مع الجائحة المقبلة. ومع ذلك، يظل النهج متعدد الأطراف أمراً أساسياً، ولكن فاعليته ستعتمد على وضع ترتيبات أضيق نطاقاً بين الحكومات المتشابهة في التفكير.
الدرس السادس
الدرس السادس هو أنه من الواضح أن الديمقراطيات تواجه نصيبها من التحديات، ولكن المشكلات التي تواجهها النظم السلطوية ربما تكون أكبر. فالأيديولوجية وبقاء النظام يحركان غالباً عملية صنع القرارات في مثل هذه النظم، وغالباً يرفض القادة السلطويون التخلي عن السياسات الفاشلة، أو الاعتراف بالأخطاء، خشية اعتبار ذلك دلالة على الضعف، ويؤدي إلى مطالب عامة بتحقيق تغيير أكبر. ولابد دائماً أن يشغل بال هذه النظم التهديد باندلاع احتجاجات جماعية، كما هو الحال في روسيا، أو كما شاهدنا بالفعل أخيراً في الصين وإيران.
الدرس السابع
والدرس السابع هو أن احتمال تمكين الإنترنت للأفراد لتحدي الحكومات أكبر في الديمقراطيات عنه في النظم المغلقة. فالنظم السلطوية مثل أنظمة الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية يمكنها إغلاق مجتمعاتها، ومراقبة المحتوى أو منعه أو كليهما. ومن ناحية أخرى، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي في الديمقراطيات عرضة لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، التي تزيد من الاستقطاب وتجعل الحكم أكثر صعوبة.
الدرس الثامن
والدرس الثامن هو أنه لايزال هناك «غرب» (وهو لفظ يعتمد على القيم المشتركة أكثر من الجغرافيا)، ولاتزال التحالفات أداة مهمة لتعزيز النظام. فقد واجهت الولايات المتحدة وشركاؤها في «الناتو» بفاعلية الحرب الروسية ضد أوكرانيا. كما أن الولايات المتحدة كونت علاقات أكثر قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الخطر المتزايد الذي تمثله الصين، لاسيما من خلال تحالف «كواد» (الذي يضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة)، وتحالف «أوكوس» (الذي يضم أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، وزيادة التعاون الثلاثي مع اليابان وكوريا الجنوبية.
الدرس التاسع
والدرس التاسع هو أن قيادة الولايات المتحدة مستمرة في أن تكون أساسية. ولا يمكن للولايات المتحدة العمل بصورة أحادية في العالم، إذا أرادت أن تكون مؤثرة، ولكن العالم لن يتحد لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة وغيرها إذا كانت الولايات المتحدة سلبية أو مهمشة. والاستعداد الأميركي للقيادة من الأمام وليس من الخلف هو أمر مطلوب في الغالب.
وقال هاس في نهاية مقاله إنه يتعين أن نكون متواضعين بالنسبة لما يمكن معرفته. ومن دواعي التواضع القول إن قليلاً من الدروس سالفة الذكر كان من الممكن التكهن به قبل عام. وما تعلمناه هو ليس فقط أن التاريخ قد عاد، ولكن أيضاً أنه في أفضل الأحوال أو أسوئها يحتفظ بقدرته على أن يفاجئنا. ومع مراعاة ذلك دعونا نستقبل 2023.
• ما نشهده في أوروبا هو حرب إمبريالية قديمة، يسعى فيها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى القضاء على أوكرانيا ككيان مستقل يتمتع بالسيادة.
• بدلاً من تحقيق الانتصار السريع والسهل الذي كان يتوقعه، اكتشف بوتين أن جيشه لا يتمتع بالقوة التي تؤهله لذلك، وأن خصومه أكثر إصراراً ممّا كان يتوقعه هو والكثيرون في الغرب.
• فكرة القول إن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يمثل حصناً في مواجهة الحرب، لأنه لن يكون لدى أي طرف مصلحة في عرقلة العلاقات التجارية والاستثمارية المفيدة لجميع الأطراف، لم تعد فكرة مقبولة.
• العقوبات الاقتصادية، التي كانت آلية الغرب وشركائه المفضلة في كثير من الحالات عند الرد على انتهاكات الحكومات لحقوق الإنسان أو قيامها بأي عدوان خارجي، نادراً ما حققت تغييرات مُجدية في سلوك تلك الحكومات.
• قيادة الولايات المتحدة مستمرة في أن تكون أساسية. ولا يمكن لها العمل بصورة أحادية في العالم، إذا أرادت أن تكون مؤثرة، ولكن العالم لن يتّحد لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة وغيرها إذا كانت واشنطن سلبية أو مهمّشة.