استغل متسولون قرب شهر رمضان، وابتكروا حيلاً جديدة للنصب والاحتيال على المحسنين والاستيلاء على أموالهم، عبر طرق أبواب المنازل ومطالبة أصحابها بأن يحجزوا لهم زكاة الفطر، على أن يأتوا لأخذها في الموعد المحدد لإخراجها، وذلك عقب اختلاق قصص إنسانية وظروف صعبة يمرون بها، فيما تلقى آخرون رسائل من أرقام خارجية تدعوهم للتبرع بالأموال لمساعدة النازحين والمصابين من دول في المنطقة تشهد حروباً واضطرابات، مشيرين إلى أن الرسائل تتضمن أرقام حسابات بنكية وروابط لصفحات تبرع مزيفة.
وتفصيلاً، أبلغ مواطنون ومقيمون في الدولة «الإمارات اليوم»، برصدهم صوراً جديدة للتسول تتمثل في تجول رجال ونساء (من جنسيات دول عربية وآسيوية) في بعض المناطق السكنية وطرق أبواب المنازل لحجز زكاة الفطر، والادعاء أنه تنطبق عليهم شروط استحقاق الزكاة، مشيرين إلى أن ممارسي التسول يبتكرون أساليب جديدة كل عام للاستيلاء على أموال المحسنين، سواء عبر التسول الشخصي، أو من خلال التسول الإلكتروني.
وقالت منال عبدالله: «أثناء صعودي في مصعد البناية توقفت في أحد الطوابق الأولى ودخلت سيدة في العقد الثالث، ونزلت معي في الدور نفسه، وقبل دخولي إلى شقتي استوقفتني وعرفتني بنفسها وأنها أرملة من إحدى الدول العربية التي بها اضطرابات، ولديها طفلان، وطلبت مني أن احتفظ لها بزكاة الفطر، على أن تأتي لأخذها في موعد إخراجها. وعندما قلت لها إن شاء الله، لإنهاء الموقف، أخرجت من حقيبتها ورقة ودوّنت رقم الشقة للعودة لي خلال النصف الثاني من رمضان، كما طلبت مني قبل أن تذهب مساعدة مالية أو عينية بسبب ظروفها الصعبة».
فيما أشار أمجد صلاح إلى أن أحد الأشخاص استوقفه أثناء خروجه من المسجد وعرّفه بنفسه، وأنه من إحدى الدول العربية ولا يعمل منذ أكثر من ستة أشهر، وأنه يُعد من الفقراء والمساكين وتنطبق عليه شروط استحقاق الزكاة والصدقات، وطلب منه مساعدة وحجز جزء من أموال الزكاة هو ومن يعرفه من الأصدقاء والأقارب، لافتاً إلى أنه أعطاه رقمه للتواصل معه وقت إخراج الزكاة، كما طلب رقمه لتذكيره خلال شهر رمضان، إلا أنه اعتذر عن إعطائه له.
وذكرت سوسن أحمد، تعرضها للأمر نفسه في موقف سيارات أمام منطقة عملها، حيث استوقفتها أسرة آسيوية كاملة تضم رجلاً وامرأتين ونحو أربعة أطفال في أعمار مختلفة، يجيدون الحديث بلغة عربية مفهومة. وأشارت إحدى المرأتين إلى أنها وشقيقها وزوجته وأطفالهما بحاجة إلى المساعدة، واستأذنتها في أن تكون زكاة الفطر هذا العام من نصيبهم، مشيرة إلى أنها شاهدت هذه الأسرة أكثر من مرة تقوم بإيقاف أصحاب المركبات والتحدث معهم.
وأجمع مواطنون ومقيمون على أن هذه السلوكيات تتزايد بصورة لافتة مع اقتراب شهر رمضان، الذي يتخذه البعض فرصة للتسول، حيث يستغلون الحالة الروحانية التي يتميز بها الشهر الكريم، لمد اليد للآخرين والحصول على أموال غير مستحقة عن طريق استدرار عطف المحسنين بقصص أغلبها ملفّق، للإيحاء بحاجتهم وأنهم الأولى بالإحسان.
وأشار محمد البلوشي، ورامي مصبح، ومنى خالد، وراوية هشام، إلى أن مهنة التسول من السلوكيات السلبية التي مازالت تمارس بأشكال مختلفة، وتزيد بشكل كبير مع اقتراب شهر رمضان وتستمر حتى نهايته، حيث تتزايد أعداد المتسولين مقارنة ببقية أيام السنة، لافتين إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء السائلين ليسوا أكثر من محتالين امتهنوا حرفة التسول والحصول على الأموال من أهل الخير دون أي عناء.
وأكد خالد راشد، وناصر حسن، وآمال البلوشي، وجود العديد من القنوات الشرعية للحصول على الدعم المالي والمساعدات العينية والنقدية، عبر المؤسسات الرسمية في الدولة، إلا أن المتسولين نظراً لاتخاذهم التسول مهنة، وأنهم غير محتاجين، يفضلون مخالفة القانون ومد اليد في الطرقات والأسواق وأمام المنازل، الأمر الذي يؤكد عدم حاجتهم أو عدم استحقاقهم للزكاة والصدقات.
وأجمعوا على أن التسول يشوّه المنظر الحضاري للدولة، ويتطلب تكاتف شرائح المجتمع كافة لمواجهته ومحاربته، مشددين على أن القضاء على التسول يبدأ من الامتناع عن منح المتسولين أموالاً، ما سيؤدي إلى تناقص أعدادهم واختفاء الظاهرة، مشيرين إلى وجود منافذ عديدة لإخراج الزكاة والصدقات، سواء تلك التابعة للجهات الحكومية أو الجمعيات المرخصة في الدولة، وجميعها تلبي حاجة المحتاجين وتساعدهم، ويمكن إخراج هذه الأموال إليها لضمان وصولها إلى المستحقين.
وأكد مختصون اجتماعيون، حامد عبدالله، ومها عوف، ومريم جمال، أن التسول يأخذ أشكالاً عديدة ومظاهر خادعة قد لا تعبر عن الفقراء الحقيقيين، ما يستوجب التصدي لها خصوصاً أنها تسيء إلى المظهر الحضاري للدولة، مشددين على ضرورة التحري قبل إخراج الزكاة لوضعها في يد من يستحقها، وتحقيق الغاية منها، وليست لمن يطرق الأبواب أو يستوقفنا في الطرقات.
وأشاروا إلى أنه لتجنب منح الزكاة لغير مستحقيها، ينبغي إخراجها عن طريق الجهات الرسمية المختصة والجمعيات الخيرية المرخصة في الدولة، لضمان أن تُصرف في مصارفها الشرعية، وأن يتم توزيعها توزيعاً عادلاً يحفظ كرامة المحتاج.
وكانت شرطة أبوظبي قد كررت تحذيراتها للجمهور بضرورة عدم التعاطف مع المتسولين أو إعطائهم الأموال، وعدم تصديق أساليبهم التي يهدفون من خلالها إلى استعطاف الناس للحصول على المنافع المادية والعينية، بقصص وحيل مفبركة يستجدون بها الجمهور أمام أبواب المساجد أو في الأسواق والطرقات، مشددة على ضرورة عدم الاستجابة لأساليب المتسولين الاحتيالية المضللة، ومآربهم غير المشروعة التي يجنون من ورائها ثروات طائلة. ودعت المحسنين إلى صرف الأموال للجمعيات الخيرية الرسمية المعتمدة لدى الدولة، والتي توصل المساعدات إلى مستحقيها، بما يعزز الجهود الوقائية ويرسخ الأمن والاستقرار، على نحو يجسد الشراكة المجتمعية.
كما حذرت شرطة أبوظبي من رسائل التسول الإلكتروني عبر «واتس أب» ومواقع التواصل الاجتماعي، موضحة أنها تعد جريمة يعاقب عليها القانون، وتديرها عصابات احتيال تستهدف أفراد المجتمع عشوائياً. وأرجعت أسباب التسول عموماً وتركّزها في رمضان، إلى عدم مبادرة بعض أفراد المجتمع بالإبلاغ عن المتسولين، ما يكون دافعاً لهم في الاستمرار لتحقيق مآربهم غير المشروعة.
وأكدت شرطة أبوظبي استمرار جهودها في التصدي لآفة التسول التي تسيء للوجه الحضاري للمجتمع، باعتبارها من صور النصب والاحتيال المبطّن باتباع أساليب احتيالية مضللة، ودعت الجمهور إلى الإبلاغ عن حالات التسول عبر مركز القيادة والتحكم 999.
• التسوّل من السلوكيات السلبية التي مازالت تمارس بأشكال مختلفة وتزيد بشكل كبير مع اقتراب شهر رمضان.
التسوّل الإلكتروني
رصد مواطنون ومقيمون في الدولة تطور أساليب التسول مع تطور وسائل التواصل، وبات المتسولون دوليين، ويعملون من خارج الدولة عبر مواقع التواصل وتطبيقات المحادثات لطلب المساعدة والحصول على أموال المحسنين، من داخل الدولة، مشيرين إلى أنهم يتلقون رسائل من أرقام خارجية تدعوهم إلى التبرع بأموال الزكاة لأشخاص غير معلومين.
وأشاروا إلى استغلال المحتالين التحول الرقمي الذي شهدته مناحي الحياة كافة، في التسول إلكترونياً، حيث كثرت في الآونة الأخيرة حسابات وهمية ترسل رسائل على البريد الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى تحويل أموال الزكاة إلى حسابات تابعة لها بحجة مساعدة النازحين وضحايا الحروب في بعض دول المنطقة، فيما يهدف هؤلاء إلى الاستيلاء على أموال المحسنين.
5000 درهم والحبس عقوبة التسوّل
وفقاً للقانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2018 بشأن مكافحة التسوّل، يُعاقب مرتكب التسول المنفرد بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم. كما يُعاقب كل من أدار جريمة التسول المنظم واستقدم أشخاصاً من الخارج ليستخدمهم في ارتكابها، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم.
ويهدف قانون مكافحة التسول إلى الحفاظ على الصورة الحضارية للمجتمع وحمايته من الجرائم المرتبطة بالتسول، ومكافحة جريمتي التسول والتسول المنظم والوقاية منهما، ويجوز للنيابة العامة إحالة المتهم في جريمة التسول إلى وزارة تنمية المجتمع أو الجهة المحلية المختصة للعمل على رعايته اجتماعياً أو تأهيله للعمل، وذلك إذا توافرت في حقه أحكام الضمان الاجتماعي.