تواصل دبي سعيها الدؤوب نحو استكشاف آفاق جديدة للنمو وتنويع الاقتصاد في إطار “أجندة دبي الاقتصادية D33” بأهدافها الطموحة، والتي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مطلع العام الحالي، لترسم خارطة طريق واضحة للتنمية الاقتصادية في دبي للسنوات العشر المقبلة، استهدافا لجعلها ضمن أكبر ثلاث مدن اقتصادية في العالم بحلول العام 2033.
وتضطلع الشركات العائلية بدور بارز في تحقيق هذه الأهداف الطموحة من خلال تحريك عجلة اقتصاد دبي وصياغة نموذج الإمارة الاقتصادي المستند إلى استراتيجية تقوم على الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص من خلال توفير أكبر منظومة مالية متكاملة في المنطقة، وأُطر عمل قانونية وبنية تحتية تشريعية وقانونية فريدة ومجموعة مرنة من الهياكل التنظيمية التجارية وخدمات إدارة الثروات الخاصة وفق أرقى المعايير العالمية التي تضمن استمرارية نمو هذا القطاع على المدى الطويل وتسهم في ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للمؤسسات والشركات المالية الرائدة.
ركيزة أساسية
وتعتبر الشركات العائلية من أهم الركائز الأساسية لاقتصاد دولة الإمارات، حيث تعود ملكية 90٪ من الشركات الخاصة القائمة في الدولة إلى عائلات وفقاً لتقرير صادر من وزارة الاقتصاد. وتلعب الشركات العائلية دوراً اقتصادياً مهماً مع مساهماتها المحورية في الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وتقدر وزارة الاقتصاد هذه المساهمة بنحو 40٪ في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، و60٪ في الناتج المحلي لدولة الإمارات، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة “كي بي إم جي”، إذ أكد التقرير أن هذه الشركات تحتل الصدارة من حيث فرص العمل، إذ تمثل 80٪ من إجمالي القوى العاملة في الدولة.
وجهة مفضلة
وفي تأكيد على تعزيز مكانة دبي كوجهة مفضلة للشركات العائلية من مختلف القطاعات الاستثمارية، حرصت دبي على اتخاذ الإجراءات والآليات الكفيلة بتوفير بيئة حاضنة لدعم أعمال الشركات العائلية وتطويرها وتعزيز استدامتها وتطوير حوكمتها ورفع مساهمتها في الاقتصاد الكلي للإمارة، بوصفها شريكاً أساسياً في مسيرة نمو الاقتصاد وازدهاره وتنوّعه، وفقا للرؤية السديدة للقيادة الرشيدة الرامية لوضع إطار قانوني شامل وميسّر لتنظيم ملكية تلك الشركات وتيسير انتقالها بين الأجيال ودعم استمراريتها بما يعزّز دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي.
حزمة مبادرات
ويتجسّد الدعم للشركات العائلية في حزمة من المبادرات أطلقتها دولة الإمارات منتصف العام الماضي كانت بدايتها مع إقرار القانون الاتحادي الخاص بالشركات العائلية. كما تم إنشاء مركزين للشركات العائلية، أولهما، المركز العالمي للشركات العائلية والثروات الخاصة في مركز دبي المالي العالمي، ومركز دبي للشركات العائلية تحت مظلة غرف دبي. ويتكامل المركزان من أجل توفير المرونة والبيئة الحاضنة للشركات لتطبيق الحوكمة واستمرارية النمو.
مركز للشركات العائلية
ففي فبراير الماضي، أصدر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، بصفته حاكماً لإمارة دبي، مرسوماً بإنشاء مركز الشركات العائلية في دبي، بهدف تعزيز استدامة ونمو الشركات العائلية في الإمارة، ضمن الهيكل التنظيمي لغرف دبي. وفي منتصف مايو الماضي، وتنفيذا لتوجيهات سموه بتطوير منظومة عمل متكاملة تدعم نمو هذا القطاع، دشّن سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، أعمال المركز، ليكون الجهة المعنية بضمان استدامة ونمو الشركات العائلية في إمارة دبي، وتعزيز مساهمته الاقتصادية بما يخدم الخطط التنموية للإمارة.
ويتيح المركز الدعم الفني والإداري للشركات العائلية، بما يضمن استدامتها وتحقيق التعاقب السلس بين الأجيال وإعداد استراتيجية شاملة لدعم وتطوير تلك الشركات في دبي، علاوة على دوره في تطوير المهارات الإدارية للشركاء في الشركات العائلية ومؤسسيها وأعضائها وتعريفهم بالخدمات الحكومية المقدمة لهذه الشركات.
استشراف المستقبل
وقال معالي عبد العزيز الغرير رئيس مجلس إدارة غرف دبي، “إن تطوير واقع الشركات العائلية وإصدار القوانين العصرية الداعمة لنموها يأتي ضمن منظومة الاستدامة واستشراف المستقبل لإمارة دبي ورؤية قيادتها الرشيدة، التي جعلت من دبي مركزا رئيسياً للأعمال ووجهة رائدة للاستثمارات، فالرؤية الاستشرافية الاقتصادية لدبي تفرض تطوير تشريعات الأعمال، وبيئة العمل المرنة والمستدامة، إذ أن حجم أعمال الشركات العائلية في الإمارة يُبرز مدى أهمية تطوير أعمالها، بوصفها قاطرةً للنمو الاقتصادي وتنافسية مجتمع الأعمال. وتأتي عملية توفير بيئة مثالية للشركات العائلية وفقا لمنهجية عمل مبتكرة تتناسب مع مكانة دبي الريادية في دعم قطاع الأعمال، وفي إطار منظومة متكاملة لتطوير الشركات العائلية من خلال معايير الحوكمة الرشيدة والتدريب المهني المتخصص الذي يتلاءم مع متطلبات الشركات العائلية بالإضافة إلى الاستشارات المرنة والتشريعات الواضحة، مما يكفل انتقالاً سلساً للقيادة والإرث، ويزيد تنافسية الشركات العائلية وقدرتها على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح في سوق العمل”.
وأضاف: “ملتزمون في غرف دبي بدعم الشركات العائلية وتمثيل مصالحها وتعزيز تنافسيتها واستدامتها ونموها والارتقاء بريادتها. ونعتبر مركز دبي للشركات العائلية جزءاً أساسياً من استراتيجيتنا المستقبلية لتوفير بيئة محفزة لنمو واستدامة الشركات العائلية في إمارة دبي”.
مركز الثروات العائلية الأول من نوعه على مستوى العالم
وكان مركز دبي المالي العالمي قد أطلق في أغسطس من العام الماضي، مركز مُتخصص للثروات العائلية، هو الأول من نوعه في العالم، في إطار التزام مركز دبي المالي العالمي بإرساء معايير التميز ضمن القطاع المالي وجعل دبي وجهة جاذبة للشركات العائلية من حول العالم ضمن توقعات لنقل الشركات العائلية لأصول تُقدر قيمتها بنحو 3.67 تريليون درهم (1 تريليون دولار) إلى الجيل المقبل في منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام العشرة القادمة.
ويسهم مركز الثروات العائلية في مركز دبي المالي العالمي، في خلق بيئة مواتية للشركات العائلية، ورفدها بنخبة من مزودي الخدمات، إذ من المنتظر أن يُسهم هذا التحوّل التشريعي في حفز النمو، جزئياً عن طريق استقطاب الأفراد من ذوي الملاءة المالية العالية، في حين توفر دولة الإمارات خياراً جاذباً لأصحاب الثروات نظراً لمنظومتها الضريبية العالمية التنافسية، علاوة على الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدبي ومنطقتها الزمنية التي تتزامن مع أوقات العمل الرسمية لأغلب الأسواق حول العالم، بالإضافة إلى ما توفره الإمارة من نمط حياة استثنائي.
استقطاب الشركات العائلية
وقال سعادة عيسى كاظم، محافظ مركز دبي المالي العالمي: “اعتمد مركز دبي المالي العالمي مؤخراً إجراءات تشريعية وتنظيمية جديدة لاستقطاب الشركات العائلية إلى دبي، من أبرزها لائحة القواعد والترتيبات المُنظِمة لعمل الشركات العائلية في مركز دبي المالي العالمي، والمُصمّمة خصيصاً لتوفير بيئة تمكينية تتسم بالديناميكية والشمولية تدعم نجاح واستمرار الشركات العائلية. وتوفر هذه اللوائح إطاراً متكاملاً ينظم عمل الشركات العائلية المحلية والإقليمية والعالمية والأفراد من ذوي الملاءة المالية العالية وأصحاب الثروات الخاصة والتي تمتلك أصولاً وتدير أعمالها في أو من مركز دبي المالي العالمي. وتؤكد القواعد الجديدة على أهمية الالتزام بمعايير الشفافية والمسؤولية والاستقرار، وتوفر إطاراً قانونياً شاملاً يضمن للشركات والأفراد حماية مصالحهم بأعلى مستويات الرقابة القانونية والتنظيمية”.
وأضاف: “يمتلك قطاع الشركات العائلية في دبي العديد من الفرص الواعدة حيث تنشط الشركات العائلية في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية باعتباره ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني. ومن أبرز هذه القطاعات، العقارات والإنشاء، حيث تدعم هذه الشركات التطور العمراني السريع في دبي؛ وقطاع تجارة التجزئة والجملة الذي يشهد زخماً قوياً في الإمارة؛ وكذلك قطاع الضيافة والسياحة الذي يسهم في ترسيخ مكانة دبي كوجهة سياحية عالمية؛ وقطاع التصنيع الذي يدعم التنويع الاقتصادي للمدينة. كما تنشط الشركات العائلية في مجال الخدمات المالية، مستفيدةً من مكانة دبي وجهودها المتواصلة في قيادة مستقبل القطاع المالي العالمي؛ وقطاع الرعاية الصحية والتعليم، الذي تنتشط فيه الشركات العائلية بشكل ملحوظ. وتماشياً مع تركيز دبي على الابتكار، تستكشف الشركات العائلية أيضاً الفرص في مجالي التكنولوجيا المتقدمة والشركات الناشئة. وبالتالي لابد من مواصلة تمكين ودعم الشركات العائلية نظراً لدورها المحوري في تعزيز تنافسية كل من الاقتصادات الوطنية في المنطقة والاقتصاد العالمي”.
ووفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية، تتنامى الثروات المالية في دولة الإمارات بوتيرة سريعة، ومن المتوقع أن ترتفع بمعدل سنوي مُركب قدره 6.7٪ لتصل إلى 1 تريليون دولار بحلول عام 2026، مقارنةً بـ 700 مليار دولار في عام 2021.