تجربة محلية فريدة، ذات أهمية اقتصادية واجتماعية كبيرة طرحها، أخيراً، مشروع «لاتالي» لمؤسسيه الشريكين الإماراتيين، سلطان الكراي وشيماء البلوشي، اللذين اندفعا، بعد تجارب ممتدة في مجال «الإرشاد السياحي»، نحو عالم ريادة الأعمال، ليكرّسا اهتمامهما بالارتقاء بحضور الصناعات والمهن الحِرفية في الإمارات. ويخلق المشروع، كما يصفه صاحباه، فرص عمل لشريحة كبيرة من أبناء الوطن العاملين، عبر ضمان حصولهم على مصادر دخل فردية ثابتة، تضمن لهم الاستمرارية، وتوفر لهم متطلبات الحياة اليومية، لتدفع من ثم عجلة الاقتصاد المحلي.
فكرة رائدة
تحمس سلطان الكراي، في بداية لقائه بـ«الإمارات اليوم» لوصف قصة بداية مشروع «لاتالي» مع شريكته شيماء البلوشي، حيث استوحى اسمه من حِرفة النسيج اليدوي التقليدي «التلي»، وهو من مكونات التراث الثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة، مؤكداً: «انطلقت قصة (لاتالي) مع شيماء البلوشي من تجارب شراكتنا السابقة في مجال الإرشاد السياحي المرخص الذي أتاح لنا آنذاك، ملاحظة رواج وتداول اقتناء السياح والأجانب لمنتجات تقليدية وهدايا تذكارية إماراتية في أماكن متفرقة من الإمارات، ففكرنا في محاولة تسهيل عملية حصولهم على هذه المنتجات من الحرفيات الإماراتيات بشكل مبتكر وفريد، يعتمد على إنشاء منصة بيع وتسويق للصناعات التقليدية، نكون من خلالها الوسيط بين الحرفيات في دولة الإمارات والزبائن المهتمين سواء كانوا سياحاً أو مقيمين».
دعم وتأهيل
في وصف تجربة «لاتالي» ومراحل تأسيسها، أشاد الكراي بالدعم الكبير الذي قدمته «هيئة المساهمات المجتمعية-معاً» بأبوظبي، التي طرحا عليها الفكرة، وحصلا على موافقتها، ثم انطلقا تحت إشرافها، في سلسلة من الدورات التدريبية والتأهيلية التي ساعدتهما على تعلم أساسيات إطلاق المشاريع الخاصة وفنون تسويقها وإدارتها عبر دورات في المحاسبة وإنشاء الإعلانات وغيرها من المهارات الضرورية لإنجاح تجربتهما في المجال، مؤكداً «بعد استيفاء خطوة التدريب، وبناء على الطلب المفصل الذي تقدمنا به للهيئة، حصلنا على تمويل للمشروع».
رؤية وإقبال
وحول متطلبات السوق، ومدى اهتمام الناس بالصناعات التقليدية ومنتجات الحِرف اليدوية عموماً، أكد سلطان الكراي لـ«الإمارات اليوم» «السوق موجودة ومتوافرة، لكنها للأسف تظل موسمية وغير ممتدة على طول العام، وهنا تكمن بعض أسباب إطلاق فكرة (لاتالي) بالأساس، لأن جزءاً كبيراً من المناسبات التراثية التي تقام في مناطق متفرقة من الإمارات مثل (مهرجان الشيخ زايد) بالوثبة و(مهرجان الصناعات الحِرفية) في مدينة العين، وعلى الرغم من استقطابها تجارب عدد واسع من الحرفيات أحياناً، فإنها محدودة النطاق الجغرافي، ولا توفر لهن منصة ترويج ثابتة لتحقيق عوائد مالية كافية من بيع منتجاتهن». من هنا جاءت فكرة منصة «لاتالي» حسب الكراي «لتضمن وصول السائح والمقيم على حد سواء إلى الحرفيات ومنحهن فرص عرض وبيع منتجاتهن وتوصيلها بسهولة وسلاسة أكبر، وصولاً إلى أهدافنا الطموحة طبعاً لتمكين العاملات الإماراتيات، والذي ينسجم مع رؤية دولتنا بتمكين المرأة عموماً ويدعم توجهاتها بإنجاح المشاريع الصغيرة، وخصوصاً في هذه الصناعات، ما يعزز انتقالهن بالتالي، من مرحلة الحرفيات إلى رائدات أعمال».
وفي نفس هذا السياق، أكد الكراي عدم اقتطاع المشروع لأي نسب ربح تذكر من الحرفيات، واستيفائهن مجمل حقوقهن، مشيراً إلى توسع نطاق المنصة مع مرور الوقت، إلى بعض سفارات الإمارات في الخارج، التي كشفت عن اهتمامها المتزايد بمنتجات «لاتالي» واقتنائها الكثير منها، وهذا دليل على الإقبال الكبير الذي لاتزال تسجله هذه الصناعات الحِرفية المحلية باعتبار أصالتها وقيمتها التراثية.
معايير الجودة
في سياق حديثه عن طرق اختيار المنتجات المعروضة للبيع على منصة «لاتالي»، لفت صاحب المشروع إلى اهتمامه وشريكته، بكل تفاصيل المنتجات المرشحة للعرض والبيع، وتركيزهما على وضع أعلى معايير الجودة والإتقان في انتقائها، ما يدفعهما أحياناً إلى عدم قبول بعض المنتجات المقدمة للبيع على المنصة، لعدم استيفائها للشروط.
وحول ما توفره منصة «لاتالي» لعشاق التراث والأصالة والسياح التواقين لاكتشاف تفاصيل التاريخ المحلي، أكد الكراي توفير المنصة لمنتجات مثل الحقائب اليدوية وميداليات المفاتيح والأساور والإكسسوارات المتنوعة والديكورات ومنتجات الفخار والمباخر التقليدية وصولاً إلى عدد من قطع الملابس والأزياء التراثية ذات الجودة العالية وغيرها من المنتجات القيّمة الأخرى.
تطوير مستمر
أفكار خلّاقة وطموحات كبيرة يحملها الثنائي سلطان الكراي وشيماء البلوشي لمشروعهما الناشئ، وذلك، بعد أن كشفا عن نيتهما توسيع نطاق نشاطات «لاتالي» لتمتد إلى شرائح أوسع من الجمهور، مؤكدَين «نحن بصدد الاشتغال على مشروع قادم سيتضمن زيارات ميدانية مختلفة وجولات زمنية محددة، لعرض منتجاتنا في مناطق سياحية كثيرة في الإمارات. كما ستكون للمشروع مشاركات مكثفة أخرى في فعاليات ومناسبات مختلفة لاحقاً في إمارات الدولة»، مناشدَين المؤسسات المعنية بالتراث ومسؤولي المناطق السياحية في الدولة، إتاحة المزيد من الفرص للمشاركة وعرض منتجاتهما مجاناً أو مقابل مبالغ بسيطة تتلاءم مع ميزانيتهما، للتعريف بمشروعهما، وتمكين القدرات النسائية الوطنية من الارتقاء بتجاربها وتنمية صناعاتها التي من شأنها أن توفر لها موارد رزق ثابتة تحقق الاستقرار المادي والاجتماعي.
«لاتالي» استوحى اسمه من حِرفة النسيج اليدوي التقليدي «التلي»، أحد مكونات التراث الإماراتي.
المشروع يهدف إلى تمكين القدرات النسائية الوطنية للارتقاء بتجاربها وتنمية صناعاتها.