أتمنى أن يغفر لى شاعرنا الكبير جمال بخيت جرأتى بالتعديل غير المخلّ على واحدة من أشهر أغانيه الدرامية، التى كانت أيقونة فيلم «الآخر»، أغنية «آدم وحنان»، التى شدت بها الفنانة الكبيرة ماجدة الرومى ومنحت بصوتها العذب للفيلم خلوداً، ومنحت لنا جمهور المشاهدين متعة تليق بعبقرية الصورة التى قدمها الأستاذ الكبير والمخرج القدير يوسف شاهين فى واحد من أهم أفلامه، الذى عُرض فى دور السينما المصرية والعالمية لأول مرة عام 1999.
وكلمات بخيت «حلم الحب فى كل زمان» التى اختتم بها أغنيته قبل ربع قرن من الزمان، استدعتها اليوم قصة القصص، والحدث الأجمل فى هذا العام (القاتل)، الذى يبدو أنه قرر مصالحتنا قبل المغادرة وأن يتلطف علينا ببارقة أمل، يختطفنا فيها إله الحب «كيوبيد» على بساط رومانسيته الساحرة ونحن نحلق بعيداً خارج الدائرة الجهنمية للأحداث والأخبار الكئيبة، من قتل وعنصرية وجرائم إبادة وحشية، ونطير مع قلبين عاشقين قررا أن يقفزا فوق عوائق وحواجز عتيقة ليرسما بقصتيهما خلوداً، ربما لم يحظيا به على مستوى الفن، الفن الذى منحهما طاقة روحية وكفاءة إنسانية جعلتهما يتخطيان الصعب من أجل أحلام طبيعية تبدو فى عيون البعض خروجاً على المألوف.
بطلا قصتنا هما الممثل الكبير سامح الصريطى والمطربة المعتزلة حنان، اللذان تحولا مؤخراً بعد انتشار خبر حبهما وزواجهما إلى «تريند»، لتصبح قصتهما ونجاحهما نوعاً من التكريم يسره القدر تتويجاً لمسيرتهما الفنية والإنسانية، خاصة بعد أن ظلل علاقتهما التعاطف والحماس، والحسد (أحياناً) من جموع المتابعين.
قبل أيام، تابعت لقاءً تليفزيونياً ظهر فيه العروسان، سامح وحنان، ولأول مرة معاً وفى حضرة «صاحبة السعادة» القديرة إسعاد يونس التى أدخلتنا معهما إلى كتاب «الحواديت»، وجلست كأنها شهرزاد تفنّد وتروى تفاصيل الحدث الفريد، زواج آخر العمر، وأضفت ببراعتها وقدراتها الحوارية متعة وجاذبية، جعلتنى أترك كل مشاغلى، وأتفرغ لمتابعة التفاصيل، ميلاد شرارة الحب الأولى وتطور العلاقة بين الحبيبين، وكيف استطاع سهم (كيوبيد) أن يقتحم أسوار الحبيبة وكيف نجحت «حزمة بقدونس» فى أن تجعل قلبها يرق للحبيب، لتخرج من ظلمات الوحدة إلى فضاء المشاركة والمشاعر الدافئة، ليتزوجا قبل شهور وسط ترحيب من ابنتى الزوج ومن ابن وابنة الزوجة، ويكلل الزواج بالسكينة والهدوء حتى اخترقه فضول البعض، فانتشر الخبر ومنحه سن العروسين وسنواتهما الطويلة بلا زواج سحراً خاصاً، وزاد من جاذبيته طبيعتهما البعيدة عن الأضواء، فكلاهما كان مثالاً للفن والفنان المصرى المحترم، حيث بقيت سيرتهما ناصعة منذ انطلاق مسيرتهما الفنية مطلع ثمانينات القرن الماضى.
حافظ الفنان سامح الصريطى على مكانته وتاريخه، وتطور وعيه كممثل ليصبح فناناً مثقفاً له دوره وحضوره فى كل ما مر بالوطن، خاصة فى السنوات الأخيرة التى استدعت اصطفافاً وإيجابية للحفاظ على الدولة المصرية، وعلى صعيد التمثيل تعددت أعماله الناجحة، والتى ظهر فيها حرصه على اختيار ما يناسب ذائقته من أدوار تمثيلية، فلن تجد له دوراً يخجل منه، أو عملاً قدم فيه أى تنازل.
فيما كانت إطلالة «حنان» كمغنية خاطفة تتشابه مع إيقاع أغنياتها الخفيفة، وقد اعتزلت مبكراً فى تسعينات القرن الماضى، بعد رحلة غناء قصيرة كان أبرز ما فيها انطلاقها فى كنف الموسيقار عمار الشريعى وفرقته الشهيرة «الأصدقاء» بصحبة الراحل علاء عبدالخالق والمتألقة دوماً منى عبدالغنى.
وتتشابه «حنان» فى مشوارها الفنى مع «سامح»، فهى أيضاً أمضت عمرها الفنى تعمل فى جد واجتهاد ولم تطل سيرتها أى شائبة، وعندما تجدد ظهورها بعد سنوات من الابتعاد، استقبلها الجمهور بحفاوة كبيرة، وكانت إطلالتها أيضاً مع «صاحبة السعادة» التى ظهرت معها هذه المرة بصحبة «سامح»، ليعلنا معاً أن للحب دائماً قصة جديدة، مهما ارتفع مؤشر العنف واحتكر أربابه صدارة المشهد.
جديرٌ بالذكر أن أغنية «آدم وحنان» جاءت كإطار غنائى بديع اختتم به يوسف شاهين أحداث فيلمه لإبراز رسائله العميقة متعددة الأوجه والأبعاد، والذى كان أهمها فى رأيى قدرة الحب صانع المستحيلات على اجتياز أى جدار أو حاجز، فرغم النهاية المأساوية لبطلى الفيلم والتى تتشابه مع نهايات سابقة لشاهين، منها نهاية فيلم «عودة الابن الضال»، فإن الأغنية منحت النهاية بعداً مغايراً، سما بقيمة الحب فوق صراعات الحياة الدامية، واستبدل بقبحها جمالاً وأضاء شمعة أنهت ظلامها الحالك، وهذا هو ما فعلته فينا قصة «سامح» و«حنان».