على مدار أكثر من 14 شهرًا يعيش الشعب الفلسطيني كباره وصغاره نساؤه ورجاله تحت حكم الإبادة الجماعية على أيدي قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي شنت هجومها الغاشم في السابع من أكتوبر العام الماضي، وما زالت مُصرة على وحشيتها ودمارها حتى صارت البيوت ركامًا والأهالي أشلاءً والشوارع مقابر جماعية تغطيها الدماء الطاهرة.
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
ولأن الحق لا يموت في قلوب أصحابه، وكما يُقال الأرض كالعرض لا يمكن التفريط فيه؛ فإنه رغم كل هذه المجازر والقوة الغاشمة تجد أهالي غزة صامدين رافعي الرؤوس، لا يهابون نيران الاحتلال وصواريخه، ولا يعبئون بالدمار الكائن في كل مكان؛ لذا وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، نروي تجربة صحفية فلسطينية صمدت وعانت بسبب جيش الاحتلال رفقة زوجها وأطفالها، ولم يحزنها وفاة أحبائها أو تدمير منزلها، لكن القدر كان سببا في إبعادها عن المقاومة، ما جعلها تعيش الآن على أمل أن تُتاح لها فرصة العودة مرة أخرى.
إسراء البحيصي، صحفية فلسطينية، تعمل في المجال الإعلامي منذ نحو 20 عامًا، شهدت خلالها حروبا عدة دارت أحداثها على الأراضي الفلسطينية، كان آخرها هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والذي انطلقت شرارته في السابع من أكتوبر 2023، وفقدت معه كثير من أحبائها ورغم ذلك لم تفكر ولو لمرة في هجر الأرض وتركها مستباحة لمحتل مغتصب: «لا يمكن أن نغادر هذه الأرض، لأنه ببساطة أنت كرامتك في أرضك، عزتك في أرضك، قوتك في أرضك، وهذا الأمر هو اللي بيخليني دائما متمسكة في غزة.. أنا ضد الهجرة وضد ترك الأرض لأنه كما يقول أجدادنا: الأرض هي عرض».
البكاء وسط ركام المنزل
معاناة شديدة عاشتها «إسراء» رفقة زوجها وأطفالها على أيدي قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، من ضمن أشكالها تدمير منزلها الجديد الذي بنته قبل 4 سنوات في منطقة دوار أبو مازن، وهو ما كان ثقيلًا على قلبها، لدرجة أنها عند سماع الخبر قررت الذهاب أسفل طائرات العدو ووسط قذائفه المكروهة لتقف في منزلها تبكي كل ركن به: «بكيت كتير، لكن حسيت البيت بيقولي ارجعيلي، حتى لو أنا صرت ركام ارجعيلي»، حسب حديثها لـ«الوطن».
رغم عنفوان الحرب وشدتها، لم تفكر «إسراء» في ترك عملها والاختباء أو حتى الاكتفاء بحماية أطفالها، بل راحت تواصل عملها الذي تراه نضالًا ومقاومة أمام الاحتلال، بل وعملًا مقدسًا لا يجب التخلي عنه: «كنت بتحرك في الشارع وفوقي صواريخ وتحيط بي قذائف العدو من كل اتجاه، ومقدرتش أسيب شغلي، بل بالعكس كنت أنا وزملائي على أعلى درجة من الصمود»، وإلى جانب عملها، كانت تذهب للاطمئنان على أطفالها وتعلمهم الطريقة الصحيحة للإخلاء في حال قصف المنزل المختبئين به، وإخبارهم أي الأماكن قد يكون هو الأكثر أمانًا لهم وسط القصف المتواصل.
حياة ينقصها العودة للمقاومة
«أصعب لحظة عليا هي لحظة ما قررنا نطلع من بيوتنا في قطاع غزة».. قالتها «إسراء» بصوت خافت وقلب مكلوم، موضحة أنها اضطرت للنزوح إلى منطقة دير البلح عندما فقدت أحد أبنائها وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من ضمور دماغي، وتوصَلوا إليه أخيرًا بعد 24 ساعة كاملة من البحث والتفتيش؛ إذ قرر زوجها بعد ذلك النزوح، لا سيما وأن ابنها المريض يحتاج إلى علاج وأكل خاص، موضحة: «كنت طالعة معهم وعندي شرط وهو إني أطمئن عليهم وأرجع تاني على غزة، لكن للأسف ملحقتش»، موضحة أنها تحيا اليوم على أمل العودة أخرى، لنضالها ومقاومتها أمام جيش الاحتلال: «مجرد وقوفي ووجودي على أرضي ده انتصار على الاحتلال.. الانتصار هو بالصمود والبقاء.. إحنا متعتنا في المقاومة».