علاقات و مجتمع
تحوَّلت المنازل من حولهم إلى رُكام لكن عناية الله حاوطتهم حتى خرجوا إلى النور من تحت الأنقاض، منهم من تعلَّق بحضن والده وفقد أمه ومنهم من فقد الأهل جميعاً وهناك من خرج ممسكاً بشعرة من والدته التي كان يحتمي بها، عشرات القصص أبطالها الصغار كان خلفها أم حمت بجسدها الصغير الخائف أو أب احتضن ابنتيه خوفاً عليهما يهدأ من روعهما حتى تصل إليهم فرق الإنقاذ، تلك التفاصيل البسيطة كانت كافية لتقليل أثر الصدمة النفسية على الصغار.
نجاة أطفال في أحضان أمهاتهن
في ولاية هاتاي التركية أخرج عمال الإنقاذ الرضيع الذي بدت معالم الصدمة والإنهاك على وجهه، لكن الصغير الذي خرج من تحت الأنقاض بعد 60 ساعة تقريباً كان يحتمي بحضن والدته ليخرج بأثر منها وهو خصلة شعرها بينما هي فارقت الحياة.
وأخرى استطاعت قوات الإنقاذ إخراجها وهي تحتضن بناتها ويرتدون الكمامات حتى لا يؤثر التراب المتراكم من حولهم على الرئة، وما زالت قوات الإنقاذ تخرج الناجين الذي كان وما زال أبطالها الأطفال الذين صمدوا لأوقات طويلة بدون طعام أو شراب، في نفس الولاية التركية استطاعت فرق الإنقاذ أن تعثر على أب سوري يحتضن بناته الثلاث تحت الأنقاض بعد 63 ساعة من زلزال تركيا، وفقا لموقع «صوت بيروت».
أما في ولاية جندريس عثرت قوات الإنقاذ على رضيعة في حضن شقيقتها التي حمتها بجسدها وماتت تحت الأنقاض، أما الصغيرة فقد كانت تبكي ووجهها مغطى بالتراب، وفقاً لموقع قوات الدفاع المدني السورية على «فيسبوك».
وفي اليوم الأول أخرجت فرق الإنقاذ رضيعة كانت قد ولدت بعد لحظات من حدوث الزلزال، تلك الطفلة التي سُميت فيما بعد «آية» كانت معلقة بالحبل السري الذي مدها بالغذاء قبل وفاة والدتها، قالت الدكتورة راندا فخر الدين، استشاري أمراض النساء والتوليد لـ«هن»، أن تلك الرضيعة عثر عليها بعد لحظات قليلة من وفاة أمها لذلك استطاعت أن تستمد جزءًا من الغذاء من الحبل السري.
تأثير حضن الأمهات على الأطفال
على الرغم من الألم النفسي الذي سيلاحق الأطفال بسبب انهيار منزلهم ومصدر أمانهم إلا أن هؤلاء الذين احتموا بحضن الأب أو الأم، إلا أنهم أكثر حظًا من هؤلاء الذين فقدوا أهلهم وكانوا وحدهم تماماً، كان لحماية الأمهات للصغار مفعول سحري جعلهم يتحملون الصدمة لوقت طويل، قالت دكتورة صفاء حمودة، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب جامعة الأزهر لـ«هن»: «الأطفال اللي كان أهاليهم معاهم في حين كان الضغط النفسي عالي جداً في زلزال سوريا وتركيا، وأي ضغط نفسي بيتعرض له الأطفال أول ملجأ بيلجأ له هو الأب والأم لأنهم عائلته الأساسية وأول صلة ليه بالحياة، كل ما كانوا مطمئنين ومهدئين وراعين للأطفال كل ما كان الطفل أكتر صحة نفسية وأمان وسلام واطمئنان للعالم الخارجي».
وأكدت «حمودة»: «كل ما كانوا متجاهلين أو بيفضلوا مصلحتهم أو المصلحة العامة على الأطفال كل ما كان دا بيأثر على الأطفال بإحساس أن الآخر مبيحبنيش وأنا مش من أولوياته وبيشك دايما في استحقاقهم للحب، وده بيأثر على الطفل لما يكبر مع شريك حياته دايما شاكة فيه إذا كان بيحبها، ومهما قال إنه بيحبها مش واثقة لأنها مشافتش دا من أهلها، ومش هتصدق الآخر مهما كان بيديه وبيأكد عليه وبالتالي الأب والأم هي العلاقة بين الطفل والعالم كلو، خلال الزلزال كل ما كان الأب والأم ثابتين ومطمئنين للأولاد الصغار كل ما كانوا أكتر ثباتاً وعارفين أن بابا وماما بيحموهم من العالم كلوا وهما كدا متطمنين مهما كان الضغط النفسي كبير، عكس الأطفال اللي اتحملوا كل الضغط لوحدهم في الوقت دا، هيكونوا لوحدهم في العادي قلقانين لوقت طويل ومحتاجة وقت طويل يتطمنوا وممكن يحتاجوا علاج نفسي بسبب تعرضهم لضغط كبير ومحدش معاهم يشاركهم ويهون عليهم، رجوع الأطفال المدعمين لحياتهم الطبيعية أسهل من الأطفال اللي كانوا لوحدهم».
لم يكن الحضن في تلك الظروف الصعبة إلا سلوكا غريزيا، وهو ما أكدت عليه الدكتورة إيناس علي، استشاري الصحة النفسية وتعديل السلوك، خلال حديثها لـ«هن»: «حضن الأب أو الأم في الوقت دا سلوك غريزي يحموا عيالهم، وبالنسبة للطفل بيفرق معاه وبيزوده بالطاقة لأن حضنهم أكبر داعم ويحسس الأطفال بالأمان، عكس الأطفال اللي ملقوش حد جنبهم أو اللي اتولدوا في ظروف الزلزال بيأثر عليهم نفسياً بعدين بشكل سلبي».