ملامح حزينة ووجوه بئيسة وعلامات الفقر والتهميش بادية؛ تلك صور ومظاهر اجتماعية تأخذ الأنفاس، وهي أول المشاهد التي تشد انتباه الزائر إلى الجماعة الترابية إملشيل (إقليم ميدلت)، التي لم تنل بعد حقها في التنمية، وما زال سكانها يعيشون على هامش الوطن، وخير دليل على ذلك واقع مقر الجماعة الترابية إملشيل الذي لا يشبه مقر أي مؤسسة عمومية.
وتبقى جماعة إملشيل، التي تقع ضمن النفوذ الترابي لجهة درعة تافيلالت، تقبع في صدارة قائمة الجماعات الأكثر فقرا بهذه الجهة، وليس فقط على مستوى إقليم ميدلت، حيث لا يزال سكانها يتنفسون الفقر ويعيشون التهميش والعزلة، حسب تصريحات العديد من الشباب القاطنين بهذه المنطقة الجبلية التي يسمونها “السجن المظلم”.
وكشفت ساكنة إملشيل أن المنطقة لا تزال تتخبط في عزلة قاتلة وتعاني من مخلفات التهميش التي فرضتها السياسة الممنهجة من قبل الجهات المنتخبة المتعاقبة على تسيير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي، وكذا عدم اهتمام القطاعات الحكومية بهذه المنطقة، ما حرمها من مشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية.
عسو اتكويت، من ساكنة منطقة إملشيل، قال إن “المنطقة مازالت في العصر الحجري، فأينما وليت وجهك تصادفك مظاهر التخلف والفقر المدقع”، مضيفا أن الزائر “سيبدو له أنها ممسوحة من خريطة التنمية والعيش الكريم”، مبرزا أن “الساكنة فقدت الأمل في غد أفضل ومستقبل يضمن لها ولأطفالها الكرامة والعزة”.
وتابع اتكويت، في تصريح لهسبريس، بأن “المواطن التعيس بهذه الرقعة الجغرافية ينتظر ساعة الفرج وتغيير حالة التهميش وسياسة اللامبالاة التي رمت بكل تداعياتها على إملشيل، والتي أثرت سلبا على مستقبل شبابها وكسرت طموح متمدرسيها، ليجدوا أنفسهم وسط دائرة التخلف والإهمال”، مشيرا إلى أن “الجميع متعطش لزيارة ملكية ثانية لتحريك المياه الراكدة ومحاسبة المسؤولين على غفلتهم”، وفق تعبيره.
من جهتها، قالت نعيمة الغروش، فاعلة جمعوية بمنطقة إملشيل، إن “السلطات الإدارية والمجالس المنتخبة والأحزاب والمصالح اللاممركزة للدولة لم تهتم بهذه المنطقة رغم زيارتها من طرف الملك محمد السادس سنة 2009″، مضيفة أن “الجميع يتحمل المسؤولية في ما آل إليه الوضع التنموي بمنطقة إملشيل، ليس فقط المسؤولين بل أيضا الجمعيات الصامتة على التهميش المفروض على المنطقة”.
ولم تخف نعيمة، في تصريح لهسبريس، خوفها من الوضع المزري التي تعيشه المنطقة، موردة أن “إملشيل تغوص منذ عقود في زوبعة المجهول، وتهيم وسط دوامة الضياع”، لافتة إلى أن “الزائر إلى منطقة إملشيل لأول مرة يشعر بما مر به إنسان الكهوف سابقا”، منبهة إلى “ما يعيشه المواطنون بهذه المنطقة الجبلية من مفارقات عجيبة في بلد يتغنى دوما بحياة التحضر والتقدم التكنولوجي”.
زيارة ملكية لنفض غبار التهميش
من أجل رفع التهميش والإقصاء على منطقة إملشيل الكبرى، طالب عدد من الجمعويين المحليين بزيارة ملكية، مشددين على أنها قادرة على تحريك المياه الراكدة في هذه الرقعة الجغرافية التي وصفوها بـ”المقبرة الجماعية”، والمنطقة “المهمشة اجتماعيا واقتصاديا”.
والتمس هؤلاء الجمعويون، في تصريحات متطابقة لهسبريس، من الملك محمد السادس القيام بزيارة عاجلة إلى منطقة إملشيل، على غرار الزيارة التي قام بها سنة 2009، “للوقوف على واقع الجهة الذي لا يعكس التنمية التي يطالب بها”، موضحين أن “الجهة تعرف مشاريع ضخمة على الأوراق، لكنها في الواقع لم تعرف أي حركة تنموية منذ سنوات”.
وكشف ناشط جمعوي بالمنطقة، يدعى علي زاوك، أن “الحسابات السياسية بين الأحزاب تعيق تنمية منطقة إملشيل”، موضحا أن “هناك بعض الجهات السياسية المعروفة بالإقليم تشوش على أي تحرك تنموي خاص بإملشيل من أجل أهداف سياسية ضيقة”، مشيرا إلى وجود “تنسيق يجري حاليا بين الجمعيات المحلية من أجل توجيه عريضة استغاثة إلى الملك محمد السادس لمطالبته بالتدخل لرفع العقاب التنموي الجماعي التي تعرفه المنطقة”، بحسب تعبيره.
وقال علي زاوك، في تصريح لهسبريس، إن “ساكنة إملشيل الكبرى استنفدت كل الوسائل المتاحة للمطالبة برفع التهميش المفروض على المنطقة، ضدا على الرغبة الملكية في جعلها تلحق بركب المناطق الوطنية التي عرفت تحولات جذرية منذ توليه العرش”، مضيفا أن الساكنة “كلها أمل في زيارة ملكية ثانية تفتح باب المحاسبة لكل من ساهم من قريب أو بعيد في جعل إملشيل تحت وطأة الخراب والدمار طيلة سنوات”.
المصدر: وكالات