تونس/ عادل الثابتي/ الأناضول
ـ عقب الانتخابات المحلية سيتم تركيز مجالس جهوية ثم مجالس الأقاليم وصولا إلى الغرفة الثانية للبرلمان.
تستعد تونس لاستكمال الخطوات الأخيرة لبناء “الجمهورية الثالثة”، عبر إجراء الانتخابات المحلية، وتنصيب المجالس الجهوية ثم مجالس الأقاليم، قبل اختيار الغرفة الثانية للبرلمان (المجلس الوطني للجهات والأقاليم).
وتأتي هذه الخطوات المنتظرة، عقب إجراء الاستفتاء على الدستور في 2022، والانتهاء من انتخاب الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس نواب الشعب البالغ عدد أعضائه 217 نائبا) مطلع 2023، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد الحشاني، في أغسطس/آب الماضي.
ففي 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، أن الانتخابات المحلية يُنتظر إجراؤها في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية (رسمي)، قال بوعسكر، “إن الانتخابات المحلية هي الخطوة الأولى ضمن مسار انتخابي طويل لاستكمال عناصر الحكم المحلي”.
وأكمل “يليها تركيز مجالس جهوية في 24 ولاية، ثم مجالس الأقاليم، وصولا إلى تركيز الغرفة البرلمانية الثانية، المتمثلة في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وبالتالي استكمال الوظيفة التشريعية كما أقرها الدستور”.
وأضاف بوعسكر، أن “مراكز الاقتراع ستكون نحو 5 آلاف مركز تضم نحو 11 ألف مكتب اقتراع”.
ـ من العمادة إلى الإقليم
وفق بوعسكر، “ستدور الانتخابات في 2155 دائرة انتخابية، بـ2085 عمادة (تقسيم إداري أقل من معتمدية) لتشكيل 279 مجلسا محليا (نفس عدد المعتمديات)”.
وأضاف “يتركب أقل مجلس محلي من 6 أعضاء، 5 منهم منتخبون، وشخص واحد من ذوي الإعاقة”.
وبحسب المرسوم المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تعتبر كل عمادة دائرة انتخابية، تنتخب ممثلا واحدا عنها، ويتم انتخاب المجلس الجهوي (للولاية) عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي.
أما مجلس الإقليم فيتم الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية، وكل مجلس جهوي ينتخب ممثلا واحدا له بمجلس الإقليم.
كما ينتخب كل مجلس جهوي 3 أعضاء لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وينتخب أعضاء مجلس كل إقليم نائبا واحدا لتمثيلهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
ـ إعادة بناء الدولة
المحلل السياسي هشام الحاجي، قال “واضح أن الرئيس قيس سعيد، يمضي قدما في تنفيذ مشروعه الذي يهدف إلى تغيير وإعادة بناء الهيكل المؤسساتي والإداري للدولة”.
وأضاف الحاجي، للأناضول، “من حيث المبدأ مجالس القرب أمر مطلوب، ولكن هل يمكن أن تنجح وأن تكون فاعلة في مناخ سياسي سمته الأساسية ضعف المشاركة الشعبية”.
وأشار إلى “حالة من اللامبالاة التي برزت في نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور وفي الانتخابات التشريعية، وتغييب كامل للحوار حول الشأن السياسي، وغياب للأحزاب”.
وتابع “لم نتخلص بعد من تأثير المال الفاسد ومن تأثير العلاقات الشخصية”.
كما أثار الحاجي، “نقاط استفهام حول مشروعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”، في إشارة إلى تعيين أعضائها من الرئيس بدل انتخابهم مثلما كان الأمر مع دستور يناير/كانون الثاني 2014، قبل إجراءات الرئيس الاستثنائية في صائفة 2021.
ومتحدثا عن مخاطر عدم نجاح الانتخابات المحلية، قال الحاجي، “تجربة أخرى جديدة مع أن المؤسسات التي انبثقت عن الجمهورية الثالثة، وهي الحكومة ومجلس النواب، أداؤها دون المطلوب”.
وخلص إلى أن “الأمر يتعلق بمجهود ظاهره شكل من أشكال تركيز الديمقراطية المحلية، وباطنه مزيد من تفكيك أواصر الدولة وتوسيع الفجوة بين المواطنين والمؤسسات السياسية”.
ـ استكمال مسار 25 جويلية (يوليو)
محمود بن مبروك، الناطق باسم حزب “مسار 25 جويلية”، المساند للرئيس قيس سعيّد، يرى أن “استكمال المسار الانتخابي بإنجاز الانتخابات المحلية يعتبر “احتراما من رئيس الجمهورية لخارطة الطريق التي أعلنها إثر إجراءات 25 جويلية 2021 الاستثنائية”.
وقال بن مبروك، للأناضول، “هناك ضرورة الاتجاه لتركيز المجالس المحلية والمجالس الجهوية وصولا إلى مجالس الأقاليم، لتركيز الغرفة التشريعية الثانية”.
وتابع “ليصبح البرلمان بغرفتين تصادق على الميزانية ومشاريع القوانين، وتصل حتى لمساءلة رئيس الحكومة”.
ـ أي دور تنموي؟
إلا أن الحاجي، يقلل من أي إضافة لهذه المجالس في دفع التنمية بالقول “في ظل غياب رؤية من المركز للتنمية.. لا يمكن للمجالس المحلية.. إلا أن تكون فضاء لتقديم اقتراحات ومشاريع طوباوية”.
وأضاف “منذ 2011، نتحدث عن الأقاليم، ولكن لا نعرف كيف سيتم تقسيم البلاد إلى أقاليم”.
وأشار الحاجي، “إلى أنه منذ 2019، الرئيس لم يقدم رؤية للتنمية، يضاف إلى ذلك تخلي الدولة عن التخطيط، وكل هذا قد يؤدي إلى مفعول عكسي”.
ـ أقاليم جغرافية
بن مبروك، من جانبه، بدا جازما في وضوح كيفية تقسيم الأقاليم قائلا إن “أهمية هذه المجالس تكمن في أنها قريبة جدا من المواطنين، فهي متكونة من عمادات صغيرة وصغيرة جدا، أضيق من التقسيم البلدي، والتقسيم الذي حصل في الانتخابات التشريعية”.
وأضاف “أكثر من 2155 دائرة اقتصادية جديدة سوف تقوم بنقل المشاكل محليا إلى المستوى الجهوي، والمجالس الجهوية سوف تقوم بنقل الإشكاليات الموجودة إلى مجلس الأقاليم، وصولا إلى غرفتي البرلمان”.
وبخصوص الأقاليم، قال بن مبروك، إنها “جغرافية، مثل الشمال الشرقي، والجنوب الغربي، وغيرها، وهي تجمع 4 أو 5 ولايات في إقليم”.
وأردف “هذا الإقليم في المستوى الاقتصادي، لضمان سهولة التحركات الاقتصادية والاستثمارات، يجب أن يكون فيه مطار وميناء ومعمل (مصنع) لمادة حيوية وغيرها”.
وتابع “ينتظر أن يعلن الرئيس عن هذه الأقاليم بعد تركيز المجالس الجهوية، والتقسيم له علاقة بالبعد الاقتصادي والتنموي”.
ـ أي مشهد للانتخابات المحلية؟
وحول المشهد السياسي الذي يمكن أن تفرزه الانتخابات المحلية، قال الحاجي، إن “كل شيء وارد، خاصة وأن الأحزاب تمارس منطق التقية (التخفي) وهذا كان واضحا في مجلس النواب، فحتى الأحزاب القريبة من الرئيس لا تملك أغلبية واضحة في المجلس”.
واستطرد “يمكن أن يفرز هذا المجلس إما شخصيات لا انتماء لها، أو كتلا و توجهات سياسية متنوعة، وهذا طبيعي إذ يصعب أن تُبعد المهتمين بالشأن العام عن الانتماء الإيديولوجي وعن منطق التحزّب”.
بينما نفى بن مبروك، ما ذهب إليه الحاجي، من عدم وجود أغلبية مساندة للرئيس في البرلمان قائلا “الكتلة المهمة في البرلمان هي المساندة للرئيس”.
وشدد على أنها “كتلة مؤثرة، وتأخذ قرارات، وعند المصادقة على قروض للدولة أو اتفاقات دولية، يتم التصويت بالإجماع، وهو دليل على وجود مساندين بكثرة للرئيس في البرلمان”.
واعتبر بن مبروك أنه “بالنسبة للمجالس المحلية والجهوية هناك موانع قانونية في المرسوم تمنع البعض من الترشح، وإذا لم تكن هناك موانع فهم مواطنون”.
والجديد، وفق بن مبروك، أن “المجالس الجهوية يقع التداول عليها كل ستة أشهر، والترشح لمجلس الإقليم يكون بالقرعة، وهنا تغيب الحسابات السياسية، ويحضر تساوي الفرص”.
وترفض أحزاب معارضة في تونس المشاركة في الانتخابات المحلية باعتبارها تأتي ضمن مسار وإجراءات للرئيس سعيد تعتبرها “غير شرعية”.
وفي أغسطس/ آب الماضي، اعتبر المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريحات صحفية، أنّ “مسار انتخابات مجلس الجهات والأقاليم لن يختلف عن مسار الانتخابات البرلمانية، وقد رأينا واقع مجلس النواب، هو مجلس صوري ليس له أي صبغة تقريرية”.
كما أكد القيادي في جبهة الخلاص الوطني المعارضة، والمتحدث باسم حزب “حراك تونس الإرادة”، عمر السيفاوي في تصريحات صحفية بأغسطس الماضي، أن “المعارضة الجذرية للانقلاب ستقاطع هذه الانتخابات، وهي معنية فقط باستعادة المسار الديمقراطي واستعادة الدستور الديمقراطي الذي يكفل النظام الديمقراطي، وما نشأ عن دستور الانقلاب في 2022 من مؤسسات لا تعترف بها المعارضة”.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تشهد البلاد أزمة سياسية، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها حل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في يوليو 2022، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، ويناير/ كانون الثاني الماضي.
وتعتبر قوى سياسة، في مقدمتها جبهة “الخلاص الوطني”، هذه الإجراءات “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011).
أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن إجراءاته “ضرورية وقانونية” لإنقاذ الدولة من “انهيار شامل”.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات